الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل طاعة الأب واجبة في المنع من قيادة السيارة ؟

286195

تاريخ النشر : 29-03-2018

المشاهدات : 11576

السؤال

أريد رأيكم بقرار والدي: أبي متشدد ، ويرفض حصولي على رخصة قيادة رغم أن عمري ١٨ ؛ بسبب الدراسة ، وحالتي في الدراسة ليست سيئة ، وأنا واثق من نفسي في الدراسة ، ولا أرى أي ضرر لو قمت بالقيادة ، وحصلت على رخصة لها ، وأحتاج قيادة السيارة بالفعل ، احتاج رأيكم ، إنني انسان بالغ بالنسبة للدين وبالنسبة للقانون، فهل طاعة الوالد واجبة حتى في هذا الأمر؟ إنني لا أرى ذلك واجبا ، لكن أريد رأيكم في هذا الأمر ، وللعلم إنني غاضب منه جدا .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالدين، وكتب الأجر العظيم على ذلك، وحذر من معصيتهما، وكتب الوزر العظيم على ذلك.

قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24.

ثانياً:

إذا أمر الوالدان ابنهما بفعل أمر مباح أو تركه كقيادة السيارة، وكان لهما فيما يأمران به نفع لهما، أو تظهر مصلحة لولدهما في ذلك ، أو مناسبة معقولة ، ومسوغ مقبول ، يخرج الأمر عن حد التعنت المحض فيجب عليه طاعتهما ، وإن كان فيه مشقة عليه .

وبما أن استصدار رخصة قيادة السيارة أمر مباح، وللأب في هذا النهي مسوّغ وله وجاهة؛ لما يخشاه على ابنه من انشغاله بالسيارة عن دراسته، ودافعه في ذلك تمام الشفقة= فيجب على الابن طاعته ولو كان عليه مشقة في الامتثال لهذا الأمر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر ، فإن شق عليه ولم يضره : وجب ، وإلا فلا " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/381) .

وقال الفاكهاني رحمه الله:

"وتلزم طاعتهما في المباحات، وتستحب في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر جهاد الكفاية، والإجابة للأم في الصلاة ، مع إمكان الإعادة" انتهى من "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" (1/ 523) .

بل يقال هنا : إن استصدار رخصة القيادة له مؤنة وكلفة مادية ، ويترتب على قيادة السيارة : كلفة مادية أخرى ، من رسوم استخراج ، وتعرض للمخالفات المرورية ونحو ذلك ، مما يتطلب مؤنة ونفقة .

وما دام الوالد هو المطلوب بهذه النفقة ، وهو الذي يتولى الإنفاق عليك ، وتعيش في كنفه ، فتلزمك طاعته ، إلى أن تستقل بعيشك ، ونفقتك ، وتقوم بأمرك ، ومصلحتك : وهنا يكون الأمر مختلفا .

فأطع والدك وأنت منشرح الصدر ، وقدّر في قرارة نفسك ، لعل ما اختلفت فيه مع والدك ناتج عن خطأ في تقديرك ، فالآباء أوسع خبرة ، وأعظم رحمة وشفقة ، واحذر أن تكون ممن خسروا مشورة آبائهم ، ولم يتبين لهم عظيم خطئهم إلا بعدما كبروا وفاتهم ما لم يمكنهم تعويضه ، فندموا ولات ساعة مندم .

ولا بأس بتكرار المحاولة لإقناعه مع تطمينه مما يخافه من انشغالك عن الدراسة ؛ لتجمع بين الخيرين : طاعتهما ، وقضاء حوائجك التي ترجوها بامتلاك السيارة .

فإن أصرّ على المنع ، فلا تضجره بالتكرار ، وأطعه راضيا مسلّما مطيعا ، راجيا أن يعوّضك الله ببرك والدك خيرا ؛ لأنك تركته لله عز وجل ، فإن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب