السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

شك أنه فعل كفرا في الماضي فهل يلزمه الإتيان بالشهادتين؟

288044

تاريخ النشر : 11-06-2018

المشاهدات : 68860

السؤال

قال لي رجل : "إذا الإنسان علم حكم مسألة ما أنها كفر ، وشك أنها ربما حصلت منه في الماضي ، أي أصبح عنده أحتمال هل حصلت منه أم لم تحصل فيتشهد فورا للإحتياط ، وأيضا من عنده شك أي احتمال بأنه ربما صدر منه قول كفري في الماضي أو أعتقاد كفري أو لفظ بعبارة تحمل أكثر من معنى ومنها معنى كفري ، ولم يعرف هل هو قصد المعنى الكفري أم لم يقصده لكنه ليس متأكدا ، هنا يتوجب عليه في هذه الحالة أن يتشهد للإحتياط فورا ، وليس المقصود بالشك الوسوسة المعروفة ، ولا الخواطر، فلذا ﻣﻦ شك ﻓﻲ ﻭﻗﻮﻋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟكفر يجب ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟتشهد ﻓﻮﺭﺍً ؛ ﻷﻧﻪ بذلك يكون قد شك في إسلام نفسه ، فإن شك فهل هو الآن مسلم أم كافر ، ﺃﻱ ﺻﺎﺭ عنده ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺃﻧﻪ ﺍﻵﻥ ﻛﺎﻓﺮ ، ﻭهذا معلوم أنه يجب عليه أن ينطق بالشهادتين فورا ، سواء كان ذلك الشك ضعيفا أم قويا ؛ لأنه كله يدخل تحت مسمى الشك ، أما الخواطر والوسوسة التي لم تصل إلى حد الشك فليس لها هذا الحكم ، وهذا حكم الشاك في إسلام نفسه منصوص عليه في كتب الحنفية ، وغيرهم ، وأنه يجب عليه النطق بالشهادتين ، فمن قال لا يجب عليه أن ينطق بالشهادتين يكون قد رضي له أن يبقى على احتمال الكفر ، فلذا يكفر من يقول هذا ؛ لأن الرضا بالكفر كفر ، وهذه المسألة مجمع عليها ، معلومة علما ظاهرا ، فتدخل تحت قاعدة من أنكر ما علم من الدين بالضرورة ". فهل هذا صحيح ؟ وهل حقا أن من عنده شك أو أحتمال في نفسه ، أي هل هو الآن كافر أم مسلم يجب عليه التشهد فورا للإحتياط ؟ وهل هذا الكلام مذكور في كتب الحنفية وغيرهم ؟

الجواب

الحمد لله.


من ثبت إسلامه بيقين، لم يخرج منه بالشك ، ومن علم حكم مسألة أنها كفر، وشك هل حصلت منه في الماضي أم لا، فلا عبرة بالشك، والأصل عدم الفعل.
وعليه فلا يلزمه الإتيان بالشهادتين، والإلزام بذلك : يفتح باب الوسوسة ، فكلما علم حكم قول أو فعل، نظر هل احتمل أنه قاله أو فعله ، فيتشهد!
ولا صحة لما ذكره محدثك من أن عدم الأمر بالشهادتين هنا يعني الرضا بالكفر، فهذا كله تخليط لا قيمة له ، وهذا أسوأ من المسألة الأولى؛ لما يترتب عليه من تكفير من لم يشك، بل تكفير مسلم لأنه لم يأمر غيره بالشهادتين.

ويجب الحذر من هؤلاء الذي يتعاملون مع مسائل الإيمان والكفر كما يتعاملون مع مسائل الرياضيات، ويفرعون كثيرا من الأحكام على مقدمات لم تثبت أصلا.

ومستند عدم الأمر بالشهادتين: أن الوجوب يحتاج إلى دليل، وهذا المسلم يُستصحب في حقه حكم الإسلام، ولا يلتفت للشك الطارئ عليه.
وما لم تثبت الردة، فإنه لا يؤمر بالشهادتين.

وفي " الكافي في فقه الإمام أحمد " (4 / 62): " وإن ارتد بجحد فرض ، أو استحلال محرم ، لم يصح إسلامه حتى يرجع عما اعتقده ، ويعيد الشهادتين " انتهى.

وفي " المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل " (2 / 168): " وتوبة المرتد وكل كافر : إسلامه ، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا من كان كفره بجحد فرض ، أو تحريم ، أو تحليل ، أو نبي ، أو كتاب ، أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب ، فتوبته مع الشهادتين : إقراره بالمجحود به " انتهى.

ولم نقف على ما ذكرت عند الحنفية، والأصح عندهم أن الرضا بكفر الغير لا يكون كفرا.

قال ابن عابدين في حاشيته على "البحر الرائق" (5/ 133): " قال في التتارخانية وفي النصاب: الأصح : أنه لا يكفر بالرضا بكفر الغير ، وفي غرر المعاني : لا خلاف بين مشايخنا أن الأمر بالكفر كفر.

وفي شرح السيرتان: الرضا بكفر الغير : إنما يكون كفرا ، إذا كان يستخف الكفر ويستحسنه ، أما إذا أحب الموت ، أو القتل على الكفر ، لمن كان شديدا مؤذيا بطبعه ، حتى ينتقم الله تعالى منه : فهذا لا يكون كفرا.

وقد عثرنا على رواية أبي حنيفة : أن الرضا بكفر الغير : كفر ، من غير تفصيل " انتهى.
والواجب الحذر من الوسوسة ، ولو ظهرت لغيرها في صورة البحث  واليقين ، والحرص على قواعد الإيمان ، ودفع الشك ؛ فما ذكر في السؤال : لا يعدو أن يكون فتحا لباب الوساوس ، وخطرات السوء ، وتطريق الشك والتكفير لعموم المؤمنين ، وهو باب خطير ، وداء وبيل .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب