الحمد لله.
أولا:
هؤلاء الكفار إنما يرضون عمن اتبع طريقة حياتهم وفجورهم، ويعادون من عاب نهج حياتهم؛ كما قال الله تعالى:
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ البقرة/120.
وهم يكررون سنة أسلافهم من أهل الكفر وهي السعي في إسقاط المسلمين في وحل الشهوات وردهم عن طريق الحق؛ قال الله تعالى واصفا سعيهم ومكرهم:
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا النساء/27.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ) أي: يميلون معها حيث مالت، ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون ( أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا ) أي: أن تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين.
يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه ..." انتهى من "تفسير السعدي" (ص 175).
ولذا على المسلم أن لا يلقي بالا لمثل هذا الكلام، وليمض في طريق الهداية متوكلا على الله تعالى وسائلا منه الثبات والعون.
قال الله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى النجم /29 – 30.
ثانيا:
تهمة التطرف في هذا العصر يكاد ينحصر استعمالها في توصيف سلوك المسلم المعتصم بدينه، وطريقة تفاعله مع الحياة الاجتماعية بجميع نواحيها.
وما يقوم به هؤلاء الكفار وأتباعهم من تعميم تهمة التطرف على كل معتصم بالإسلام وشرائعه، هو محض ظلم عند كل صاحب عقل.
ومحل الظلم الذي يرتكبه أهل الكفر هؤلاء في أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أنهم جعلوا معيار تصنيف الناس بين التطرف والاعتدال هو طريقة حياتهم المبنية على أهوائهم وشهواتهم؛ فما أحلوه هم، فهو حلال ، ومن خالفه فهو متطرف، وما حرموه هم، فهو حرام، ومن خالفه فهو متطرف أيضا، فجعلوا حياتهم القائمة على شهوات وأهواء أنفسهم، هي المثال الذي يجب أن يحتذى، والمعيار الذي توزن به تصرفات الناس!
ولو كانوا أهل إنصاف؛ لاتبعوا ميزان العدل؛ وهو أن ينظروا إلى الأمر الذي تتفق عليه جميع العقول المعتدلة، وتؤيده الفطر السليمة، في الحكم على صلاح الناس من فسادهم، وعلى اعتدالهم من اعوجاجهم، وهو ميزان الأخلاق والآداب، في تعامل الشخص مع نفسه، ومع من حوله، فهل يجدون في سلوك المسلم الذي يلتزم نصوص الكتاب والسنة، ما يخالف الفطر والعقول السليمة ؟!
وهذا الظلم ملازم لأهل الكفر في كل العصور، فدوما يتخذون عاداتهم حجة في رد دعوة الرسل، كما وصفهم الله تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ الزخرف/23 - 24.
الظلم الثاني: التعميم الظالم؛ فالغلو الذي وقع فيه بعض المسلمين، يجعلونه مبررا لوصم جميع من يتشبث بشرائع الإسلام بذلك الغلو.
فلو كانوا أهل إنصاف لحاكموا تصرفات المسلمين إلى تعاليم الإسلام، وبهذا يظهر لهم المفرّط والمتطرف من المعتدل، فمن كان متطرفا وغاليا حقا ، فيكون انحرافه على نفسه ، ولا تتحمله جماعة المسلمين .
وهذا الذي يقتضيه ميزان العدل، فلا تعاقب جماعة المسلمين بذنب لم تقره ولم ترض به.
الظلم الثالث: أنهم يرون في غير المسلمين من بوذيين وهندوس ويهود ونصارى ، مَن هم يبلغون في سلوكهم الغاية في التطرف ، ويباشرون من الأفعال والتصرفات ما تمجه جميع الفطر السليمة، ومع ذلك ، فلا يحملون إثم ذلك ووباله على جماعة هؤلاء المخالفين ، من البوذيين أو النصارى أو غيرهم ، ولا يحملون ذلك على دينهم ومعتقداتهم ، بل غاية ما يتعاملون به معهم : أن ينظروا إلى ذلك في إطار الحكم على التصرف الفردي ، وتحمل المسؤولية الشخصية !!
والخلاصة؛ أن أهل الكفر هؤلاء لو كانوا عادلين في أحكامهم؛ لحاكموا سلوك المسلم بمعيار العقل السليم والفطرة السليمة، ولا يجعلون معيار الحكم شهواتهم وما تواضعوا عليه من الأهواء والعادات؛ فمن الظلم العظيم أن يكون الخصم هو الحكم الذي يحكم بهواه وما تشتهيه نفسه.
وينظر جواب السؤال (9431)، (117724).
والله أعلم.
تعليق