الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل الخطبة شرط لصحة الجمعة ؟

290308

تاريخ النشر : 24-01-2019

المشاهدات : 85514

السؤال

قرأت في موقعكم أن خطبة الجمعة شرط للصلاة ، والاستدلال كان من "المغني" ، ثم قرأت بأن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الصلاة ، فكيف بمن لم يدرك شرطا من شروط الصلاة الخطبة يدرك الصلاة بركعة واحدة ، وقد فاته الشرط ؟ وهل أحكام صلاة الجمعة كأحكام باقي الصلوات أم أنها تختلف ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الذي عليه جماهير أهل العلم ، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة : أن الخطبة واجبة ، وشرط لصحة الجمعة.

قال الماوردي رحمه الله تعالى:

" خطبة الجمعة واجبة، وهي من شرط صحتها، لا يصح أداء الجمعة إلا بها، فهو مذهب الفقهاء كافة ، إلا الحسن البصري فإنه شذ عن الإجماع ، وقال: إنها ليست واجبة، لأن الجمعة قد تصح لمن لم يحضر الخطبة، ولو كانت واجبة لم يصح إدراك الجمعة إلا بها.

وهذا خطأ، ويوضحه إجماع من قبل الحسن وبعده " انتهى من "الحاوي" (2 / 432).

ومن أدلة وجوبها؛ هو قول الله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ   الجمعة /9.

فالله سبحانه وتعالى قد أمر بالسعي إلى ذكر الله ، إذا نودي للجمعة ، وحرّم الاشتغال عنه بالعمل ، كالبيع والشراء؛ ومن المعلوم أن ذكر الله الذي يلي الأذان هو الخطبة، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على دخول الخطبة في قوله تعالى: (إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ).

قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:

" قال الله تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) والذكر ها هنا : الصلاة ، والخطبة ، بإجماع.

فأبان رسول الله الجمعة بفعله: كيف هي، وفي أي وقت هي، وكم ركعة هي، ولم يصلها قط إلا بخطبة.

فكان بيانه ذلك فرضا ، كسائر بيانه لمجملات الصلوات في ركوعها، وسجودها، وأوقاتها، وفي الزكوات ومقاديرها، وغير ذلك من مجملات الفرائض المنصوص عليها في الكتاب" .

انتهى من  "الاستذكار" (5 / 128).

وقال ابن العربي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) اختلف الناس فيه، فمنهم من قال: إنه الخطبة؛ قاله سعيد بن جبير. ومنهم من قال: إنه الصلاة.

والصحيح ، أنه واجب : الجميع ؛ أوَّله الخطبة، فإنها تكون عقب النداء؛ وهذا يدل على وجوب الخطبة، وبه قال علماؤنا، إلا عبد الملك بن الماجشون فإنه رآها سنة.

والدليل على وجوبها : أنها تُحرِّم البيع، ولولا وجوبها ما حرَّمته؛ لأن المستحب لا يحرم المباح " انتهى من "أحكام القرآن" (4 / 1805).

ولا ينتقض القول بوجوبها وشرطيتها؛ بأن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الجمعة ، ولو لم يدرك الخطبة؛ لأن هذه مسألة مستقلة ، وليست متعلقة بحكم الخطبة، بدليل أن حضور الركعة الأولى ، مع الإمام : واجب ، ثم إن من فاتته وأدرك الثانية : كان مدركا للجمعة.

قال الماوردي رحمه الله تعالى:

" وأما قوله: إنها لو كانت واجبة لتعلق إدراك الجمعة بحضورها : فغير صحيح، لأن الركعتين واجبتان بإجماع، ثم لا يتعلق إدراك الجمعة بها، لو أدرك ركعة صحت له الجمعة، فكذلك الخطبة " انتهى من "الحاوي" (2 / 432 - 433).

والمقصود من القول بوجوبها وشرطيتها لصلاة الجمعة؛ هو أن أهل المسجد إذا أرادوا أن يصلوا الجمعة بلا خطبة ، فإن صلاتهم لا تصح .

قال ابن القطان رحمه الله تعالى:

" والإجماع منعقد : أن الإمام لو لم يخطب بالناس يوم الجمعة ، لم يصلوا إلا أربعا [يعني : صلاة الظهر]" انتهى من "الإقناع" (1 / 163).

ثانيا:

أحكام صلاة الجمعة كأحكام سائر الصلوات ، إلا أن الشرع خص صلاة الجمعة ببعض الأحكام.

منها : اشتراط تقدم الخطبة عليها ، كما سبق .

ومنها : اشتراط الجماعة لها؛ فلا يصح أن يصلي المسلم صلاة الجمعة منفردا .

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ ؛ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ رواه أبو داود (1067)، والحاكم في "المستدرك" (1 / 288) وصححه، ووافقه الذهبي.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى:

" وأما شروط الوجوب والصحة المختصة بيوم الجمعة، فاتفق الكل على أن من شرطها الجماعة، واختلفوا في مقدار الجماعة " انتهى من "بداية المجتهد" (1 / 383).

ومنها : أنها لا تجب على النساء بالاتفاق؛ كما دل حديث طارق بن شهاب السابق.

ومنها : أنه يشترط لإقامتها الاستيطان؛ فلا تقام الجمعة في السفر، وإنما تقام من المستوطنين في المدن والقرى.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وأما المسافر: فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك؛ قاله مالك في أهل المدينة، والثوري في أهل العراق، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والشعبي ...

لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر، فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة، فصلى الظهر والعصر، وجمع بينهما، ولم يصل جمعة ، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، كانوا يسافرون في الحج وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ... " انتهى من  "المغني" (3 / 216 - 217).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" حديث: ( أنه صلى الله عليه وسلم سافر هو وأصحابه فى الحج وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه، مع اجتماع الخلق الكثير ) : وإن كنت لم أره مروياً بهذا اللفظ، ولكن الاستقراء يدل عليه، وقد ثبت فى حديث جابر الطويل فى صفة حجة النبى صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: ( حتى أتى عرفة ... فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ).

وقد كان ذلك يوم جمعة كما فى الصحيحين وغيرهما " انتهى من "ارواء الغليل" (3 / 60).

ومنها : أنه شرع الاغتسال لحضورها.

فقد جاء الأمر به، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ   رواه البخاري (877) ، ومسلم (844).

ومنها : أن من صفة صلاتها: أنه يسنّ أن يجهر الإمام بالقراءة فيها، بخلاف صلاة الظهر.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" أجمعت الأمة على أن الجمعة ركعتان، وعلى أنه يسن الجهر فيهما "المجموع" (4 / 530).

راجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (12601).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب