الحمد لله.
أولا:
دعاء المرأة أن تكون رجلا في الجنة والعكس، وكذا دعاء الرجل أن تكون له امرأة فلان ونحو هذا؛ هذه الأدعية من المنهيات التي على المسلم أن يتجنبها؛ وهي منهي عنها من وجهين:
الوجه الأول:
قول الله تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا النساء/32.
وقد ورد أن هذا النهي سببه أن نساء تمنوا أن يكونوا مثل الرجال في الخروج للجهاد وفي الميراث.
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ المِيرَاثِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ .
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَأَنْزَلَ فِيهَا ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ )، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَوَّلَ ظَعِينَةٍ قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرَةً " رواه الترمذي (3022)، وصحح اسناده الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
فإذا كان تمني ما عند الجنس الآخر من الفضائل منهيا عنه، فكيف إذا كان هذا التمني متعلقا بما يخالف الفطرة السليمة والأخلاق الطيبة؟! كتمني الرجل أن يتأنث أو المرأة أن تسترجل، أو تطلّع الشخص إلى زوجات الآخرين، فهذا لا شك في النهي عنه .
والشخص إذا كانت تأتيه مثل هذه الخواطر فالدعاء اللازم في حقه هو أن يدعو الله تعالى أن يعيذه من هذه الخواطر ويصرفه عنها، وأن يشغله بالنافع من الأعمال والأفكار.
الوجه الثاني:
أن الشرع نهى عن الاعتداء في الدعاء، و أمر أن يكون الدعاء على وجه الرغبة والرهبة.
قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف/55 – 56.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ) أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مُدِل على ربه، قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاهٍ " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 292).
ولا يمكن لقلب يشعر بالخوف من غضب الله وعقابه ، ويحذر النار، أن ينشغل بالدعاء بمثل هذه التوافه ، وبما يشذ عن الفطرة السليمة، بل كل همّ القلب الخائف الوجل هو أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة.
عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ رواه أبو داود (96)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (96).
والنهي عن هذه الأدعية لا علاقة له بمسألة قدرة الله تعالى، فالله على كل شيء قدير؛ فإن الدعاء النافع ليس مقيدا بقدرة الله ، فحسب ؛ بل بما شرعه لعباده أيضا .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ . رواه مسلم (2735) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (13506) .
ثانيا:
دعاء المسلم أن يكون له ولد في الجنة : لا حرج فيه ، من حيث الأصل .
وقد سبق ذكر كلام أهل العلم في أمر الحمل والولادة في الجنة ، في الجواب رقم : (111777).
والذي يظهر أن المؤمن في الجنة ، إن اشتهى أن يكون له ولد فيها ، رزقه الله ذلك ، لعموم الوعد بأن لأهل الجنة ما تشتهيه أنفسهم ، وهذا لا حرج فيه ، ولا اعتداء ، ولا مخالفة للشرع .
وإذا قدر أن الجنة ليس فيها حمل ، ولا ولادة ، ففيها الذرية ، وفيها من ينشئه الله للجنة إنشاءا .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ونقل عن جماعة من التابعين كطاوس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وغيرهم : أن الجنة لا توالد فيها.
وهذا صحيح، وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يراد فيها بقاء النسل لتعمر، وأما الجنة فالمراد فيها بقاء اللذة، ولهذا لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة جماعهم .
ولكن : إذا أحب أحدهم الولد : يقع ذلك كما يريد، قال الله تعالى: لهم فيها ما يشاءون [النحل: 31] . وقال: وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين [الزخرف: 71] ." انتهى من "البداية والنهاية" (20/352) .
وعلى ذلك :
فالذي ينبغي للعاقل : أن يبحث عن طريق الجنة ، ويسعى إلى سلوكه بكليته ، ويبذل في ذلك كده ، وجهده ، ويقضي فيه عمره .
ويعظم الرغبة والافتقار إلى الله أن يجعله من أهلها ، وأن يقبضه على الأعمال الصالحة ، التي تقربه من الجنة ، وتباعه من النار ، وأن يرزقه نعيمها ، وخلدها .
ثم لا عليه بعد ذلك ، أن يبحث عما يكون له من الولد ، أو غيره ، فإنه لا يدري ما تشهي نفسه هناك ، ولا ما يكون من حاله ؛ فليكن همه وشغله : في سلوك الجنة ، وبلوغ منازلها ، ودرجاتها .
ومتى دخلها ، فلا عليه ما فاته من أمر الدنيا بعد ذلك ، فإن الجنة دار النعيم المقيم ، من دخلها ، ينعم ، فلا يبأس ، ويسعد ، فلا يشقى !!
والله أعلم.
تعليق