الحمد لله.
أولا:
لا حرج أن يهب الرجل لطليقته، ولا يلزمه العدل بينها وبين زوجته الأخرى لأمرين:
1-أن المطلقة لم تعد زوجته.
2-أن الجمهور على أن العدل بين الزوجتين لا يلزم فيما زاد على النفقة، فللزوج أن يهب إحدى زوجتيه ما لا يهب مثله لأخرى ، إذا قام بنفقتهما الواجبة.
قال ابن قدامة رحمه الله:" وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة ، إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن، قال أحمد في الرجل له امرأتان: له أن يفضل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والسكن، إذا كانت الأخرى في كفاية، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه، وتكون تلك في كفاية " انتهى من " المغني " (10/ 242).
ومن أهل العلم من أوجب العدل في الهبة وغيرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ رواه أبو داود (2133)، والنسائي (3881) وصححه الشيخ الألباني.
وهذا القول أقرب للصواب، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره الشيخ السعدي، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة.
وينظر: جواب السؤال رقم : (212363) .
لكن إذا كانت الزوجة الأولى قد طلقت، وبانت بينونة صغرى أو كبرى، فهي أجنبية، ولا حرج في الهبة لها، ولا يلزم العدل بينها وبين الزوجة.
ثانيا:
إذا وهب الرجل لأولاده شيئا لزمه العدل بينهم. كما سبق بيانه في أجوبة كثيرة، وينظر: جواب السؤال رقم : (114659) .
وعليه؛ فإذا كان الرجل قد وهب المسكن لمطلقته وقصد بذلك نفع أولاده منها بهذا المسكن ، فإنه بذلك يكون فضلهم على سائر أولاده ، فيجب عليه العدل بينهم ، ويلزمه إعطاء أولاد الأخرى مثل ما أخذ إخوتهم.
ثالثا:
الأصل تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض، ويستثنى من ذلك أمران:
1-رجوع الأب في ما وهبه لأولاده؛ لما روى أبو داود (3539) ، والترمذي (2132) ، والنسائي (3690) ، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
بل يلزمه الرجوع ليحقق العدل إذا كان قد وهب لبعضهم، ولم يهب للآخرين ، ولا يمكنه تعويضهم، فإنه يرجع في هبته وجوبا.
2- من وهب هبة لغرض ولم يتحقق غرضه، جاز له الرجوع في هبته.
وذلك أن يكون هذا الزوج قد وهب المسكن لمطلقته لتتنازل عن الحضانة مثلا، أو تكف شرها عنه، فلم يتحقق غرضه، فله الرجوع؛ لأن هذه الهبة ليست هبة محضة، بل فيها معنى المعاوضة، والفقهاء يسمونها: الهبة للثواب أي للعوض، فإذا لم يُثب من هبته، جاز له الرجوع فيها.
ويدل لذلك ما روى مالك في "الموطأ" (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ : فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ : فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ ؛ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".
قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 55).
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله: " (ولا) يصح (رجوع واهب) في هبته (بعد قبض) ، ولو نقوطا ، أو حمولة في نحو عرس - كما في الإقناع - للزومها به [أي : بالقبض ] ؛ (ويحرم) الرجوع بعده. لحديث ابن عباس مرفوعا العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه متفق عليه .
وسواء عُوِّض عنها ، أو لم يعوض ؛ لأن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا .
(إلا من وهبت زوجها) شيئا (بمسألته) إياها ، (ثم ضرها بطلاق أو غيره) ، كتزويج عليها.
نقل أبو طالب: إذا وهبت له مهرها ، فإن كان سألها ذلك ، رده إليها ، رضيت أو كرهت؛ لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه، أو إضرارا بأن يتزوج عليها.
وإن لم يكن سألها ، وتبرعت به : فهو جائز .
وغير الصداق : كالصداق" انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (2/ 437).
وعلى هذا التنفصيل ، يتبين حكم المسألة.
فإذا كانت الهبة للمطلّقة، وقد قبضت المسكن، وكانت هبة محضة، أو لغرض تحقق للواهب، فإنه يحرم عليه الرجوع في الهبة، والمسكن ملك للمطلقة من وقت الهبة.
والله أعلم.
تعليق