الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

ادعت عليه دعوى باطلة وغرم لأجلها في المحاكم ضعف ما لها من الذهب عنده فهل تبرأ ذمته؟

293943

تاريخ النشر : 15-09-2018

المشاهدات : 7166

السؤال

كنت متزوجا ، وحدث خلاف شديد بيني وبين زوجتي أدى إلى وقوع الطلاق ؛ بسبب سماعها لكلام أهلها ، وعصيانها لي ، مع أني ـ ويشهد الله على كلامي ـ كنت أعاشرها بالمعروف ، كان عندي وفي ذمتي لها 44 جراما من الذهب ، أخذته منها قرضا الله حسنا ، ولكن بعد حدوث الطلاق نهبت كل ما في المنزل من أثاث ، وأشياء لا تخصها ، وقد ادعت علي افتراء بأن لها أشياء أخرى ، وذهبت إلى بيت أهلها ، وقلت لهم : بأن يردوا ما أخذوه من المنزل ، وأسلمهم ذهبها ، ومؤخر صداقها بالمعروف ـ مع العلم بأنها فيما بعد استلمت مؤخر صداقها ـ ، وأن يكون التسريح بإحسان ، ولكنهم رفضوا ذلك ، وقالوا : بأنهم سيرفعون دعوى في المحكمة ، وقد حذرتهم ، وقلت لهم :بأن المحاكم لا حاجة لها ، وأرسلت أناسا للتوسط بيننا ، ولحل هذه المشكلة ، ولكنهم رفضوا الاستجابة للوسطاء ، وقالوا : بيننا المحاكم ، بنية إلحاق الضرر بي ، وأنهم راضون بحكم المحكمة ، وقد خسرت ضعفي ذهبها في المحاكم كمصاريف للمحاميين ، ومصاريف إداريه وغيرها ، وفي النهاية صدر الحكم في صالحي ، وأن ما نهبوه من البيت مقابل الذهب الذي علي ، مع العلم بأن ما أخذوه من المنزل يساوي ثلث الذهب ، ولكني خسرت كثيرا في المحاكم ، ما يعادل ضعفي ذهبها ، بالرغم بأني حذرتها وحذرت أهلها من المحاكم ، ـ ويشهد الله على كلامي ـ ، وهي الآن تطالبني بالذهب . السؤال: هل في ذمتي شيء لها ؟

الجواب

الحمد لله.

قد أخطأت طليقتك بالذهاب إلى المحكمة والادعاء عليك بما لا يحق لها، وحكم القاضي لا يحل الحرام، ولا يبيح للإنسان ما ليس له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:  إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ  رواه البخاري (6967) ، ومسلم (1713).

وإذا كان الأمر كما ذكرت من أنك "خسرت ضعفي ذهبها ، في المحاكم مصاريف للمحاميين ومصاريف إدارية ، وغيرها ، بسبب دعوى باطلة من طرفها ، وصدر الحكم في صالحك ، وأن ما نهبوه من البيت مقابل الذهب الذي عليك"  إذا كان الأمر كما ذكرت ؛ فقد برئت ذمتك، وذلك أن لك الحق في مطالبتها بما غرمته في المحاكم من جراء دعواها الباطلة.

وأما إذا كانت محقةً في دعواها ، فإنها لا تغرم مصاريف المحاكم، بل تغرم أنت مصاريف تحاكمها، ويلزمك حينئذ رد ثلثي الذهب؛ لأن ثلثه الباقي يساوي ما نهبته من المنزل كما ذكرت.

ومن كلام الفقهاء في الإلزام بمصاريف الدعوى والتقاضي:

1-سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره وغرم أجرة الرحلة. هل الغرم على المدين؟ أم لا؟

فأجاب: الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 24).

2-وقال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " (فائدة) إذا لزم المدعى عليه إحضار العين ، لتقوم عليها البينة ، فأحضرت : فإن ثبت الحق [أي : كان الحق للمدعَى عليه] كانت مؤنة الإحضار على المدعي، وإن لم يثبت كانت مؤنة الإحضار والرد : على المدعى عليه؛ لأنه مبطل في ظاهر الشرع" انتهى من "قواعد الأحكام" (2/ 31).


3-وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 419): " (ولو مطل) المدينُ ربَّ الحق (حتى شكا عليه : فما غرمه) رب الحق (فعلى) المدين (المماطل) ؛ إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات؛ لأنه تسبب في غرمه بغير حق.

(وفي الرعاية: لو أحضر مدعىً به ، ولم يثبت للمدعي : لزمه) - أي المدعي - (مؤنة إحضاره و) مؤنة (رده) إلى موضعه ، لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق " انتهى.

وقال في (4/ 116): " وإن غرم إنسان بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله – أي الغارم- تغريم الكاذب ، لتسببه في ظلمه ..

ومثله من شكا إنسانا ظلما ، فأغرمه شيئا لحاكم سياسي ، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار ، ولم يزل مشايخنا يفتون به، بل لو أغرمه شيئا لقاض ظلما ، كان [له] الرجوع به عليه ، كما يُعلم مما تقدم في الحجر ، فيما غَرمه رب الدين بمطل المدين ونحوه؛ لأنه بسببه" انتهى.

4-وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " العلماء رحمهم الله نصوا على أن كل من غرم غرامة بسبب عدوان شخص آخر : أن ذلك الشخص هو الذي يحمل تلك الغرامة .

قال شيخ الإسلام في "كتاب الاختيارات": ومن مطل صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية ؛ فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل ، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد.

وقال في "الإنصاف" في باب الحجر: لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية ، فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل.

وقال شيخ الإسلام: لو غرم بسب كذب عليه عند ولي الأمر : رجع به على الكاذب" انتهى من " فتاوى الشيخ" (13/ 55).

وينظر: "مصروفات الدعوى" للدكتور ناصر بن محمد الجوفان، بحث منشور في مجلة العدل، العدد 17 محرم 1424هـ.

و "مصروفات الدعوى في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير لعبد العزيز بن عبد الكريم المهنا، ص22-28 .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب