الحمد لله.
أولا : من جهة إسناد الحديث .
فالحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (24529) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (9229) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (16384) ، والحاكم في "المستدرك" (2732) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/186) ، جميعا من طريق حماد بن سلمة ، عن ابْنِ سَخْبَرَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ، وفي لفظ : إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً .
وقد اختُلف على حماد بن سلمة في تسمية ابن سخبرة ، فمرة يقال :" ابن سخبرة " ، ومرة يقال : " الطفيل بن سخبرة " ، ومرة يقال :" ابن الطفيل بن سخبرة " ، ومرة يقال :" عمر بن الطفيل بن سخبرة " .
وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (946) ، من طريق وكيع .
وأخرجه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/290) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين .
كلاهما ( وكيع ، وأبو نعيم ) عن موسى بن بكر أو موسى بن أبي بكر ، عن القاسم ، عن عائشة به .
وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (1530) ، من طريق مُوسَى بْن تَلِيدَانَ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، عن القاسم ، عن عائشة به .
وأخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (123) ، من طريق عيسى بن ميمون ، عن القاسم ، عن عائشة به .
ولأجل الخلاف في تعيين الراوي عن القاسم اختلف أهل العلم في صحة الحديث .
فهناك من قال إن الراوي هو عيسى بن ميمون الواسطي ، وهو في الوقت نفسه ابن سخبرة ، وهو أيضا ابن تليدان ، وهو متروك الحديث ، ولذا ضعف الحديث ، ومن هؤلاء الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/255) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1117) .
ومنهم من قال إنه ليس عيسى بن ميمون الواسطي ، بل هناك اثنان باسم : " عيسى بن ميمون " ، أحدهما المتروك الذي يروي عن محمد بن كعب القرظي ، والثاني راوي هذا الحديث ، وهو الذي يقال له :" ابن تليدان " ، من آل أبي قحافة ، وهو الذي سماه حماد بن سلمة :" ابن سخبرة " ، وهو لا بأس به في الحديث .
وممن قال بذلك ابن معين ، وقواه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/298) .
قال ابن الجنيد في "سؤالاته" (125) :" سمعت يحيى بن معين يقول: " عيسى بن ميمون الذي يحدث عن القاسم عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أعظم النِّكاح بركةً أيسره مؤنة يقال له: ابن تليدان ، وهو من آل أبي قحافة ، ليس به بأس ، وهو الذي يحدث عنه حماد بن سلمة قال: حدثني ابن سخبرة ، هو هذا ، ولم يرو هذا عن محمد بن كعب شيئاً .
والذي يحدث عن محمد بن كعب ليس بشيء " ، يعني: آخر يحدث عن محمد بن كعب ، ليس بشيء ". انتهى
والراجح قول ابن معين، ولذا قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1/386) إن إسناده جيد.
هذا وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها بإسناد حسن لا إشكال فيه ، بلفظ : إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا .
أخرجه أحمد في "مسنده" (24478) ، وابن حبان كما في "موارد الظمآن" (1256) ، من طريق أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ به مرفوعا .
والحديث من هذا الوجه جود إسناده السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص330) ، وحسنه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (6/238) رقم (1928) .
ثانيا : من جهة المعنى
أول ما يدخل في التيسير: هو المهر ، ويدل لذلك لفظ الحديث الحسن : (تيسير صداقها) .
قال ابن قدامة في "المغني" (7/212) :" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُغْلِيَ الصَّدَاقَ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً ، أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً انتهى.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (32/192) :" السُّنَّةُ: تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ ، وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ ، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( إنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ) انتهى.
بل لا يبعد أن يشمل ذلك أيضا : نفقة الرجل على زوجته طيلة حياتهما ، وعدم إرهاق الزوجة لزوجها بالنفقات؛ فكلما كان النكاح بعيدا عن السرف ، كان ذلك أرجى للبركة والخير فيه، وذلك لأن المؤونة هي الكلفة والنفقة .
قال ابن منظور في "لسان العرب" (13/425) :" ( مون ) مانَهُ يَمُونه مَوْناً: إِذا احتمل مؤونته ، وقام بكفايته ، فهو رجل مَمُونٌ. عن ابن السكيت . ومانَ الرجلُ أَهله يَمُونُهُمْ مَوْناً ومَؤُونةً كفاهم وأَنفق عليهم وعالهم ". انتهى.
ولأجل هذا ذكر أهل العلم أن التيسير يشمل المهر والنفقة .
قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/2049) :" ( أَيْسَرُهُ ) أَيْ: أَقَلُّهُ أَوْ أَسْهَلُهُ ( مُؤْنَةٌ ) أَيْ: مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْقَنَاعَةِ الَّتِي هِيَ كَنْزٌ لَا يَنْفَدُ وَلَا يَفْنَى ". انتهى.
وقال المناوي في "فيض القدير" (3/482):" ( خير النكاح أيسره ) أي أقله مؤونة ، وأسهله إجابة للخطبة ، يعني: أن ذلك يكون مما أذن فيه ، وعلامة الإذن التيسير .
ويستدل بذلك على يمن المرأة وعدم شؤمها ، لأن النكاح مندوب إليه جملة ، ويجب في حالة ، فينبغي الدخول فيه بيسر ، وخفة مؤونة ، لأنه ألفة بين الزوجين ، فيُقصد منه الخفة ، فإذا تيسر، عمت بركته ، ومن يُسْره: خفة صداقها ، وترك المغالاة فيه ، وكذا جميع متعلقات النكاح من وليمة ونحوها " انتهى.
وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (2/503) :" ( أيسرهن مؤنة ) من: مانه ، إذا كفاه ، كالمعونة من: عانه.
والمراد: أيسرهن مؤنة في الزواج، كما يرشد إليه حديث عقبة عند أبي داود: "خير النكاح أيسره" ، وحديث: " خير الصداق أيسره ".
ويحتمل: أيسرهن مؤنة، في داوم الصحبة بقناعتها، فلا تكلف زوجها ما لا يحتمله حاله ". انتهى.
ثالثا :
الإسراف: هو من الأمور النسبية ، فقد ينفق رجلان قدرا متساويا من المال ، ويكون إسرافا لأحدهما لكونه فقيرا ، ولا يكون للآخر إسرافا لكونه غنيا ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (137954) .
فينبغي أن يراعى هذا عند الحكم على إنفاقٍ ما: أنه إسراف ، أو ليس بإسراف.
رابعا :
على فرض أن ما تقوم به عائلة زوجكِ هو من الإسراف ، فإن ذلك لن يضركما إن شاء الله تعالى، ما دمتما قد قمتما بما يستطيعان، من تقليل المهر والنفقة بقدر الإمكان، ولم تطلبا ذلك الإسراف ، ولم ترضيا به ؛ ولا يعاقب أحد بذنب أحد وخطئه ، قال الله تعالى : وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام/164 .
وأما اختلاط الرجال بالنساء في الأفراح : فهذا من المنكرات ، فيجب عليكما منعه بكل سبيل ، إن استطعتما ذلك ؛ فإن غلبكم الناس بعد بذل الجهد والطاقة : فليس عليكما وزر ، وإنما الوزر على من قارف الذنب ، وسهل حدوثه .
والله أعلم .
تعليق