الحمد لله.
أولا: سنيّة الخطبة بعد صلاة الكسوف
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، فَقَامَ، فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنخسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا ،ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" رواه البخاري (1044)، ومسلم (901).
وهذا الحديث وغيره دليل على سنيّة الخطبة بعد صلاة الكسوف وبه قال جماعة من أهل العلم.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" كان الشافعي، وإسحاق، وعامة الفقهاء من أصحابنا يرون: أن يخطب الإمام بعد صلاة الكسوف، ويحتجون في ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها " انتهى من "الإشراف" (2 / 306).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" قال بعض العلماء: يسن لها خطبة واحدة، وهذا مذهب الشافعي، وهو الصحيح.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من صلاة الكسوف؛ ( قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس ). وهذه الصفات صفات الخطبة.
وقولهم: إن هذه موعظة؛ لأنها عارضة.
نقول: نعم، لو وقع الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، ولم يخطب لقلنا: إنها ليست بسنة، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة، وجاء بعدها هذه الخطبة العظيمة التي خطبها وهو قائم، وحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد.
ثم إن هذه المناسبة للخطبة مناسبة قوية، من أجل تذكير الناس وترقيق قلوبهم، وتنبيههم على هذا الحدث الجلل العظيم " انتهى من "الشرح الممتع" (5 / 188).
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (125167).
ثانيا: ما يقال عند الرفع من الركوع في صلاة الكسوف والخسوف
سنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة أنه يقول: ( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) عند الرفع من الركوع ولا يكبّر، فهذا الذي ثبت من صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للكسوف.
عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، ثُمَّ قَامَ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ سَجَدَ ..." رواه البخاري (1046)، و مسلم (901) واللفظ له.
وذهب بعض الشافعية إلى أنه في القيام من الركوع الأول يشرع التكبير؛ لأنه قيام إلى القراءة، لا قيام اعتدال من الركوع.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله تعالى:
" ويقول في الاعتدال عن الركوع الأول والثاني: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد كما في الروضة كأصلها، زاد في "المجموع" : حمدا طيبا إلخ.
وقال الماوردي: لا يقول ذلك في الرفع الأول، بل يرفع مكبرا لأنه ليس اعتدالا. ولعل تعبير المصنف أولا بالرفع وثانيا بالاعتدال فيه ميل إلى هذا؛ لأن الرفع من الركوع الأول لا يسمى اعتدالا، والراجح الأول" انتهى من"مغني المحتاج" (1 / 597).
وقد تبين بذلك أن المعتمد عن الشافعية: هو أن يقول بعد الرفع من الركوع الأول: "سمع الله لمن حمده" ؛ وهذا أيضا هو الراجح من حيث الدليل، لثبوت السنة الصريحة بذلك، أنه قال : ( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ )؛ وليس لهذه السنة الصحيحة معارض من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من قوله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" في رواية بن شهاب: ( ثم قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) وزاد من وجه آخر عنه في أواخر الكسوف ( رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ) واستدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى.
واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال...
والجواب: أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة، فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا... " انتهى من "فتح الباري" (2 / 530).
والله أعلم.
تعليق