الحمد لله.
أولا:
تسوية الصفوف في الصلاة واجبة ، والمراد بها : اعتدال المصلين في صفوفهم على سمت واحد ، بحيث لا يتقدم أحد على أحد ، ولا يتأخر .
فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ رواه البخاري ( 690 ) ، ومسلم ( 433) .
وفي رواية للبخاري ( 723 ) : سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ .
وينظر للمزيد جواب السؤال رقم : (36881) ، و(158560).
وتسوية الصف تكون بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والأكعب بين المصلين .
ثانيا:
من دخل في صف ووجده غير مستوٍ بحيث إن يمين الصف متقدم على يساره ، أو العكس ؛ فإن العبرة حينئذ ببداية الصف ، وبداية الصف تكون من خلف الإمام ، بحيث يكون الإمام في وسط الصف، والمأمون خلفه ، عن يمينه، وعن يساره.
لما روى البخاري (424) ، ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ : أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ قَالَ : فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ".
وروى البخاري (380) ، ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ ، فَأَكَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ ، قَالَ أَنَسٌ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ " .
وروى مسلم (3014) عن جابر أنه قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقُمْتُ عَنْ يَسَارِه ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ " .
فظاهر قوله : وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ، وقوله : وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ ، وقوله : حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ : أنهم كانوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، أي كان النبي صلى الله عليه وسلم مقابل وسط الصف .
قال الشوكاني في "السيل الجرار" (1/261) :
" والاثنان فصاعداً خلفه ، في سَمْته .
وأما اعتبار أن يكونا في سَمْته : فهو معنى كونهما خلفه ، وأنهما لو وقفا في جانبٍ خارجٍ عن سَمْته: لم يكونا خلفه " انتهى .
ويد على ذلك أيضا : ما رواه أبو داود (681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَسِّطُوا الإِمَامَ ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف أبي داود" (681)، لكن معناه صحيح، يشهد له ما سبق من الأحاديث الصحيحة.
قال المناوي في فيض القدير : " أي : اجعلوه وسط الصف لينال كل أحد عن يمينه وشماله حظه من نحو سماع وقرب" انتهى .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
"يمتلئ الصف الأول في المسجد فنريد أن نكون الصف الثاني فهل نبدأ به من خلف الإمام مباشرة بموازاته ؟ أم على يمين الصف أو يساره ؟
فأجاب رحمه الله : الواجب البداءة من وسط الصف مما يلي الإمام - يعني: مما يقابل الإمام- يبدأ من هذا ثم يصفون عن يمين وشمال ، البداءة من وسط الصف كالأول .
ينظر : https://binbaz.org.sa/fatwas/17709
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (66017) .
ثالثا:
إذا تقرر أن المشروع في الصف أن يبدأ من خلف الإمام ، فيكون الأصل في المحاذاة هم من خلف الإمام مباشرة، ثم يستوي الطرفان على سمتهم ومحاذاتهم ؛ فمن كان في يمين الصف ، فإنه يحاذي على يساره، حتى يستوي بمن خلف الإمام ، ومن كان على يسار الصف، فإنه يحاذي عن يمينه ، حتى يستوي كذلك على محاذاة من خلف الإمام ، وبهذا يستوي الصف من طرفيه.
على أن المقدم في ذلك كله: هو مراعاة استقامة الصف، وتسويته، وسد الخلل؛ فينبغي أن يكون هذا هو المقدم في نظر المصلي، ومحاذاته، فإذا كانت محاذاته لمن على اليمين، أو على اليسار : أدعى لاستقامة الصف جميعه، وتحقيق ذلك المقصود: فينغي أن يكون هو المقدم ، لا سيما إذا كان في بعض النواحي: من أهل النفرة من لا يطيعه في المحاذاة، وينفر من ذلك ، فينبغي أن يلين هو ، ويحسن خلقه، ويوسع صدره في هذا المقام الشريف؛ وبهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المصلين:
فعن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله .
قال أبو داود : " ومعنى ولينوا بأيدي إخوانكم أي : يكون الرجل ليناً منقاداً لأخيه إذا قدمه أو أخره ليستوي الصف " . انتهى من "عون المعبود".
أبو داود ( 666 ) ، والنسائي (819 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ( 620 ) .
وينظر جواب السؤال رقم (21502)
والله أعلم.
تعليق