الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

ما تركه الصحابة مع وجود المقتضي له ففعله بدعة

296653

تاريخ النشر : 16-12-2018

المشاهدات : 13771

السؤال

هل الاستدلال بعدم فعل الصحابة لشيء ما يعد بدعة ؟ مثل: الاحتفال بالمولد، فهم لم يفعلوه ، وكذلك لم يكونوا يهنئوا بعضهم كلّ يوم جمعة ، كقول النّاس: جمعة مباركة وهكذا.

الجواب

الحمد لله.

البدعة: ما أحدث في الدين مما لم يدل عليه دليل.

والدين قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم كما أُمر، وحمله عنه أصحابه، فما تركوه مع وجود المقتضي، استُدل بتركهم له على أنه بدعة.

ولهذا جاء عن حذيفة رضي الله عنه: " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا تتعبدوها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا يا معشر القراء! وخذوا بطريق من كان قبلكم" . انتهى ، من "الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة، و"الحوادث والبدع" للطرطوشي، ص149، و"الاعتصام" للشاطبي (2/ 630).

وقد استدل ابن مسعود رضي الله على بدعية الذكر الجماعي بأن الصحابة لم يفعلوه.

ما روى الدارمي (210) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه أتى إلى ابن مسعود فقال: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْرًا.

قَالَ فَمَا هُوَ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ ، قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصىً فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِئَةً فَيُكَبِّرُونَ مِئَةً فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِئَةً فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِئَةً فَيُسَبِّحُونَ مِئَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ ، أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ.

قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلَقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟

قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الَّرحْمَنِ حَصىً نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ.

قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ .

وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلاَلَةٍ.

قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ ؟

قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا : أَنَّ قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ , وَايْمُ اللهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ : رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ ".

قال محققه: إسناده جيد.

ونحن نجزم أنه لو كان فعل من الأفعال التعبدية خيرا : لسبقونا إليه، رضي الله عنهم، فإذا لم يفعلوه جميعا، دل على أنه غير مشروع. وذلك كالاحتفال بالمولد والهجرة والإسراء والمعراج والنصف من شعبان وليلة القدر، والتهنئة بالجمعة، فهذه كلها بدع محدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفعلوها ، مع وجود المقتضي ، وعدم المانع.

ومن كلام أهل العلم في تأصيل أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للفعل يدل على بدعيته:

1-قال الشاطبي رحمه الله: " إطلاقه القول بأن الترك لا يوجب حكما في المتروك ، إلا جواز الترك : غير جار على أصول الشرع الثابتة.

فنقول: إن هنا أصلا لهذه المسألة، لعل الله ينفع به من أنصف من نفسه:

وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ، أو تركه لأمر ما ، على ضربين:

أحدهما: أن يسكت عنه أو يتركه؛ لأنه لا داعية له تقتضيه، ولا موجب يقرَّر لأجله، ولا وقَع سبب تقريره؛ كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها؛ وإنما حدثت بعد ذلك، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها ، وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين.

وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح ، مما لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص، مما هو معقول المعنى؛ كتضمين الصناع، ومسألة الحرام، والجد مع الأخوة، وعول الفرائض، ومنه جمع المصحف، ثم تدوين الشرائع، وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه عليه السلام إلى تقريره...

والضرب الثاني: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص ، أو يترك أمرا ما من الأمور ، وموجبه المقتضى له قائم، وسببه في زمان الوحي وفيما بعده ، موجود ثابت؛ إلا أنه لم يجددْ فيه أمر زائد على ما كان من الحكم العام في أمثاله ، ولا ينقص منه ؛ لأنه لما كان المعنى الموجب لشرعية الحكم العقلي الخاص موجودا، ثم لم يشرع ، ولا نبه على استباطه = كان صريحا في أن الزائد على ما ثبت هنالك : بدعة زائدة ، ومخالفة لقصد الشارع، إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك ، لا الزيادة عليه ولا النقصان منه" انتهى من "الاعتصام" (2/282) .

2-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يُعتقد مقتضيا، وزوال المانع: سنة، كما أن فعله سنة.

فلما أمر بالأذان في الجمعة، وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة، كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك، كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات، أو صيام الشهر، أو الحج، فإن رجلا لو أحب أن يصلي الظهر خمس ركعات، وقال: هذا زيادة عمل صالح : لم يكن له ذلك. وكذلك لو أراد أن ينصب مكانًا آخر يقصد لدعاء الله فيه وذكره، لم يكن له ذلك، وليس له أن يقول: هذه بدعة حسنة، بل يقال له كل بدعة ضلالة.

ونحن نعلم أن هذا ضلالة، قبل أن نعلم نهيا خاصا عنها، أو نعلم ما فيها من المفسدة.

فهذا مثال لما حدث، مع قيام المقتضي له، وزوال المانع ، لو كان خيرا.

فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة، قد كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 103).

3-وقال ابن حجر الهتمي: " فَإِن الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة ضَلَالَة ، كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -. وَمن قسمهَا من الْعلمَاء إِلَى حسن، وَغير حسن : فَإِنَّمَا قسم الْبِدْعَة اللُّغَوِيَّة .

وَمن قَالَ كل بِدعَة ضَلَالَة : فَمَعْنَاه الْبِدْعَة الشَّرْعِيَّة ، أَلا ترى أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَنْكَرُوا الأذان لغير الصَّلَوَات الْخمس ، كالعيدين ، وَإِن لم يكن فِيهِ نهي، وكرهوا استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين ، وَالصَّلَاة عقيب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قِيَاسا على الطّواف. وَكَذَا مَا تَركه - صلى الله عليه وسلم - مَعَ قيام الْمُقْتَضي : فَيكون تَركه سنة ، وَفعله بِدعَة مذمومة.

وَخرج بقولنَا: مَعَ قيام الْمُقْتَضي فِي حَيَاته: تَركه إِخْرَاج الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب ، وَجمع الْمُصحف، وَمَا تَركه لوُجُود الْمَانِع ، كالاجتماع للتراويح، فَإِن الْمُقْتَضي التَّام : يدْخل فِيهِ الْمَانِع" انتهى من "الفتاوى الحديثية" ص200

4-وقال الشوكاني رحمه الله: " البحث العاشر: فيما تركه صلى الله عليه وسلم والقول في الحوادث التي لم يحكم بها.

تركه صلى الله عليه وسلم للشيء، كفعله له ، في التأسي به فيه .

قال ابن السمعاني: إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا : وجب علينا متابعته فيه، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم إليه الضب ، فأمسك عنه، وترك أكله: أمسك عنه الصحابة وتركوه ، إلى أن قال لهم: "إنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه" وأذن لهم في أكله .

وهكذا تركه صلى الله عليه وسلم لصلاة الليل جماعة، خشية أن تكتب على الأمة" انتهى من "إرشاد الفحول" (1/ 119).

5-وقال الدكتور محمد حسين الجيزاني: " القاعدة الرابعة: كل عبادة من العبادات ، ترك فعلَها السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، أو نقلَها ، أو تدوينها في كتبهم ، أو التعرض لها في مجالسهم : فإنها تكون بدعة ؛ بشرط أن يكون المقتضي لفعل هذه العبادة قائمًا ، والمانع منه منتفيًا" انتهى من "قواعد معرفة البدع" ص79.

والحاصل :

أن الاستدلال بترك الصحابة رضي الله عنهم للفعل الديني الذي وجد مقتضاه في عصرهم، على أن فعله بدعة : استدلال صحيح، مضى عليه المحققون من أهل العلم .

ويدخل في ذلك : الاحتفال بالمولد ، كما سبق بيانه في أجوبة عديدة في الموقع .

ويدخل فيه أيضا : التهنئة بالجمعة ، أو قولهم: جمعة مباركة ، إذا كان على صفة الالتزام ، كما تلزم الأدعية والأذكار المشروعة .

وأما إذا كان دعاء عارضا ، أو قال ذلك في المرة بعد المرة ، من غير مداومة عليه ، ولا اعتقاد لاستحباب ذلك ، أو أنه مما له أصل في الشرع : فالذي يظهر أنه لا بأس في مثل ذلك ، إن شاء الله .

ومثل ذلك أيضا : لو كان قصده تحية صاحبه في مثل ذلك اليوم ، أو الدعاء لأخيه بأن يبارك الله له في جمعته : فالذي يظهر أن مثل ذلك لا بأس به أيضا .

وينظر: جواب السؤال رقم : (134741) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة