الحمد لله.
أولا:
الحجة في الشرع هي أمر الله ونهيه الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر/7.
ومن أراد النجاة والهدى فمحل ذلك كله في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
والإعراض عن أحكام الكتاب والسنة الواضحة البينة ، ومعارضتها بأشياء لا تقوى على معارضتها ليس من سبيل المؤمنين المتقين ، أو التنطع في السؤال عن وجه الحكمة في أفعال الله ، التي لم تُبين لنا ، أو التدقيق في قضائه وقدره السابق ، وما كان وما يكون ، والانشغال بتلك الوساوس والترهات ، والشبهات ، عن شرع الله الذي بينه لعباده ، ومعارضة الشرع بالقدر ، فليس من فعل العقلاء في شيء .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن المعلوم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لتصدق الرسل فيما أخبرت وتطاع فيما أمرت كما قال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله وقال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله والإيمان بالقدر من تمام ذلك. فمن أثبت القدر وجعل ذلك معارضا للأمر فقد أذهب الأصل. ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/106) .
فلذا يلزم المسلم أن يبتعد عن مثل هذه الاستدلالات بما خلق الله تعالى وقدره، فإن اتباع هذا النهج يؤدي إلى تحليل كثير من المحرمات وترك كثير من الواجبات.
وإنما العمدة في الحل والحرمة والكراهة والاستحباب هي أوامر الشرع ونواهيه.
ثانيا:
جعل الله تعالى لآدم عليه السلام زوجة واحدة، وجعل لغيره من الأنبياء والرسل من بعده من زوجات عدة، ومن ذلك رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولله سبحانه وتعالى في هذا التغاير حكمة بالغة، ومصلحة للخلق راجحة.
قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا المائدة /48 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والذي أنزله الله هو دين واحد اتفقت عليه الكتب والرسل، وهم متفقون في أصول الدين وقواعد الشريعة، وإن تنوعوا في الشرعة والمنهاج ، بين ناسخ ومنسوخ ، فهو شبيه بتنوع حال الكتاب الواحد ، فإن المسلمين كانوا أولا مأمورين بالصلاة لبيت المقدس ، ثم أمروا أن يصلوا إلى المسجد الحرام ، وفي كلا الأمرين إنما اتبعوا ما أنزل الله عز وجل " انتهى من " الجواب الصحيح " (2 / 438).
قال العيني رحمه الله تعالى:
" والأحكام شرعت لمصالح العباد ، وتتبدلُ باختلاف الزمان ... فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعاً في شريعة آدم عليه السلام ، وبه حصل التناسل وهذا لا ينكره أحد ، ثم نسخ ذلك في شريعة غيره ، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل شريعة موسى عليه السلام ، ثم نُسخ بعدها بشريعته عليه السلام " انتهى من " شرح سنن أبي داود " (4 / 356 ).
فنحن لا نعلم هل كان التعدد مباحا أم ممنوعا في شريعة آدم عليه السلام ؟
ثم لو ثبت أنه كان ممنوعا ، فقد أباحه الله لمن بعده ، وأباحه لنبينا صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده إباحة قطعية ، دل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين .
والحكم الثابت بدليل واحد من هذه الأدلة لا تجوز معارضته ، فكيف إذا ثبت بها مجتمعة ؟!
على أنه قد يقال : كان في جعل زوجة واحدة لآدم عليه السلام مصلحة ، تفوت إذا تزوج بأكثر من واحدة .
وقد أشار إليها قوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء/1.
فجعل الله تعالى لآدم زوجة واحدة ليكون البشر كلهم من أصل واحد (أبا وأما) ، فيعطف بعضهم على بعض، ولا تشتد بينهم العداوة والنفرة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على بعض.
وقرن الأمر بتقواه ، بالأمر ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها ؛ ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصا الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو من حق الله الذي أمر به " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 163).
والله أعلم.
تعليق