الحمد لله.
يلزم الزوج النفقة على زوجته وأولاده، سواء كانت زوجته فقيرة أو غنية، موظفة أو غير موظفة.
قال تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة/233 .
وقال صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ رواه البخاري (5364).
قال ابن قدامة رحمه الله: "الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن. أوجب أجر رضاع الولد على أبيه ، وقال سبحانه: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقال سبحانه: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما. ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه. وروت عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه , وإن ولده من كسبه. رواه أبو داود.
وأما الإجماع ، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ، ولا مال ، واجبة في مال الولد ، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم ، ولأن ولد الإنسان بعضه ، وهو بعض والده ، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله " انتهى.
ثانيا:
إذا احتاج الوالدان لإدخال طفلهما الحضانة بسبب عمل الأم وانشغالها، وأراد الأب أن تتحمل الأم مصاريف الحضانة أو أن تشارك فيها، فالذي يظهر أن له ذلك ، لأمرين:
الأول:
أن عملها لمصلحتها هي ، وليس لها أن تضيع حق غيرها ، الزوج ، أو الولد ، من أجل رعاية حظها ومصلحتها ؛ فلو كان غير مشترط في عقد النكاح ، فله منعها منه ، وله السماح لها بشرط أن أن تشارك في مصاريف البيت ، أو تتحمل حضانة الأولاد.
الثاني:
أنها لو اشترطت العمل في العقد، أو تزوجها وهي تعمل، فلها الاستمرار في عملها بشرط ألا تضيع واجباتها ، ومنها رعاية الأولاد وحفظهم في هذه السن، فإن أدى عملها إلى وضع الأولاد في الحضانة لعدم وجود من يرعاهم، كان لزوجها منعها العمل، أو السماح لها بمقابل.
قال البهوتي رحمه الله : " ولا تؤجِر المرأة نفسها [أي تعمل بأجرة] بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج " انتهى من "الروض المربع"، ص 271 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على الإنسان أن ينفق على أهله، على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس ، فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها، أي: من راتبها شيئاً، هو لها.
أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرِّسي: فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني: مثلاً له أن يقول: أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه، وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس، وقبِلَ: فليس له الحق أن يمنعها، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6/ 143).
أما إن وجد من يرعاهم في البيت، وكان عمل الزوجة مشترطا في العقد، واختارا إيداع الأولاد في الحضانة، فإن مصاريف ذلك على الأب.
ومثل ذلك : لو كانت تشارك في نفقة البيت التي تلزم الزوج ، لكنها تطوعت بالمشاركة فيها ، أو اشترط عليها الزوج ذلك ، نظير السماح لها بالعمل : فهنا تكون نفقة الحضانة على الأب ، لأنه الأصل في وجوب ذلك ، وهي وإن فوتت بعض ما عليها من الرعاية ، فقد تكلفت أيضا بما لا يلزمها من النفقة ، نظير ذلك العمل ؛ فلا يتوجه أن تلزم بنفقة أخرى ، وتتحمل غرامتين لأجل العمل الواحد .
على أن الذي ينبغي للزوجين : ألا تكون العشرة بينهما محكومة بقانون الحق ، والواجب ، واللازم ، والقضاء ، فإن العشرة والمودة لا تنبني على مثل ذلك ، بل تكون العشرة بينهما مبناها المودة ، والإحسان ، وبذل الندى والمعروف ، وتحمل كل منهما لما يشق على الآخر ، ويثقل عليه ، فتعين الزوجة زوجها على أمر العيش والنفقه ، ما أمكنها ذلك .
ويرعى الزوج زوجته ، ويسامحها ، ويعينها على أمر بيتهما ، وأداء أمانتها ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقال : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195
والله أعلم.
تعليق