الحمد لله.
أولاً:
اختلف العلماء في حكم قراءة المأموم خلف الإمام على قولين :
فذهب الحنفية إلى أنه لا قراءة خلف الإمام في شيء من الصلاة ؛ ما يجهر فيه بالقراءة ، وما لا يجهر فيه بالقراءة .
وذهب المالكية إلى أن المأموم يستحب له أن يقرأ في السرية ، أما الجهرية فلا يقرأ ، وإنما يستمع لقراءة الإمام .
وفي قول للإمام أحمد : " يقرأ فيما لا يجهر ، وإن أمكنه أن يقرأ فيما يجهر قبل أن يأخذ الإمام في القراءة ، ولا يعجبني أن يقرأ والإمام يجهر ، أحب إليّ أن ينصت " انتهى من "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" (2/ 545).
وينظر : "الحجة على أهل المدينة" (1/ 116)، و"حاشية ابن عابدين" (1/ 544)، و"النوادر والزيادات" (1/179)، و"شرح منتهى الإرادات" (1/264).
أما الشافعية فيرون وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في السرية .
وأما الجهرية: فعندهم فيها قولان ؛ أصحهما أنه يجب على المأموم القراءة فيها :
قال الرافعي : " ولا فرق في تعيين الفاتحة بين الإمام والمأموم في الصلاة السرية .
وفي الجهرية قولان:
أحدهما : إنها لا تجب على المأموم ، وبه قال مالك وأحمد ، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلاَةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ، فَقَالَ : هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ؟ . فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ . فَقَالَ : مَا لِيَ أُنَازعُ بِالقُرْآنِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَن الْقِرَاءَةِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ .
وأصحهما : أنه تجب عليه أيضًا ؛ لما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : " كُنَّا خَلْفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ ،فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فرَغَ قَالَ : لَعَلَّكُم تَقْرَؤُنَ خَلْفِي ؟ ، قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : لاَ تَفْعَلُوا ذلِكَ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
وهذا القول يعرف "بالجديد" ، ولم يسمعه المزني من الشافعي رضي الله عنه ، فنقله عن بعض أصحابنا عنه ، يقال : إنه أراد الربيع . وأما القول الأول فقد نقله سماعًا عن الشافعي رضي الله عنه .
وقال أبو حنيفة : لا يقرأ المأموم لا في السرية ولا في الجهرية .
وحكى القاضي ابن كج أن بعض أصحابنا قال به ، وغلط فيه " انتهى من "العزيز شرح الوجيز" (1/ 491).
وقال الإمام النووي: " قد ذكرنا أن مذهبنا وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في كل الركعات ، من الصلاة السرية والجهرية . وهذا هو الصحيح عندنا " انتهى من "المجموع" (3/ 365).
ثانيًا:
اختلف أهل العلم في البسملة هل هي آية من الفاتحة ، ومن كل سورة أم لا ؟
فمذهب المالكية ، والمشهور عند الحنفية ، والأصح عند الحنابلة : "أن البسملة ليست آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وأنها آية واحدة من القرآن كله ، أنزلت للفصل بين السور ، وذكرت في أول الفاتحة .
وذهب الشافعية : إلى أن البسملة آية كاملة من الفاتحة، ومن كل سورة .
وترتب على هذا اختلافهم في حكم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية للإمام ، وهو على التفصيل الآتي :
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه تسن قراءة البسملة سرًّا ، في الصلاة السرية والجهرية .
قال الترمذي : وعليه العمل عند أكثر أهل العلم ، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وعمار بن ياسر وابن الزبير ، والحكم ، وحماد ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن المبارك .
واستدلوا بما رواه البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام" (89) عَنْ أَنَسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".
وفي "صحيح مسلم" (399) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الفاتحة/ 1 " .
وفي رواية لمسلم (399) قَالَ : " صَلَّيْتُ خَلَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا ".
وذهب الشافعية إلى أن السنة الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية ، في الفاتحة وفي السورة بعدها.
واستدلوا بما روى ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم " .
إلا أنه حديث لا يصح ، فقد أخرجه الترمذي (245) وقال : وليس إسناده بذاك .
وقالوا : لأنها تقرأ على أنها آية من القرآن ، بدليل أنها تقرأ بعد التعوذ ؛ فكان سنتها الجهر كسائر الفاتحة .
وينظر : "سنن الترمذي" (244)، و"شرح مختصر الطحاوي" (1 /585)، و"المجموع" (3 /333)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 345)، و"الموسوعة الفقهية الكويتية" (8/ 83)، (16/ 181)، و"الفقه الإسلامي" للزحيلي (2/ 839).
والحاصل :
أن الشافعية يرون بوجوب قراءة المأموم للفاتحة خلف الإمام ، في السرية والجهرية .
كما يرون أن الجهر بالبسملة للإمام في الجهرية : هو السنة .
والله أعلم.
تعليق