الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث الذي أورده السائل الكريم لا أصل له بهذا اللفظ .
وقد ورد بلفظ آخر صحيح من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولكن في فضل عيادة المريض ، وليس في مطلق الزيارة في الله ، وليس فيه جملة :" اللهم اغفر للزائر والمزور ، اللهم ارحم الزائر والمزور " .
وإنما اللفظ الصحيح الوارد ، هو ما أخرجه أحمد في "المسند" (612) ، وأبو داود في "سننه" (3099) ، وابن ماجه في "سننه" (1442) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (7452) ، وأبو يعلى في "مسنده" (262) ، من طريق الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ: " جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَعَائِدًا جِئْتَ أَمْ شَامِتًا؟ قَالَ: لَا ، بَلْ عَائِدًا ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنْ كُنْتَ جِئْتَ عَائِدًا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ .
والحديث قد رُوي من عدة طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وفي طرقه اختلاف في رفعه ووقفه .
وقد رواه أبو داود في "سننه" (3098) ، من طريق الحكَمِ ، عن عبدِ الله بن نافعِ ، عن عليٍّ ، قال: " ما مِن رجلٍ يعودُ مريضاً مُمسِياً إلا خرجَ معهُ سبعون ألف ملكٍ يستغفِرون له حتى يُصْبِحَ ، وكان له خريفٌ في الجنة ، ومن أتاهُ مُصبِحاً خرج معه سبعونَ ألفَ ملكٍ يستغفرون له حتى يُمسيَ ، وكان له خريفٌ في الجنة " .
رواه هكذا موقوفا ، ثم قال :" وأُسند هذا عن عليٍّ، من غيرِ وجهٍ صحيحٍ، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم "انتهى .
والحديث قال فيه ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/421) :" هذا حديث حَسَنٌ صَحِيحٌ، ثَابِتُ الْإِسْنَادِ، شَرِيفُ الْمَعْنَى رَفِيعٌ " انتهى ، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/502) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1367) .
وقد رُوي الحديث من وجه آخر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، في فضل الزيارة مطلقا ، بنحو هذا اللفظ ، إلا أن إسناده ضعيف جدا .
وهذا الطريق أخرجه تمام في "الفوائد" (651) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (8609) ، من طريق أَبِي حَمْزَةَ ثابت بن أبي صفية الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ زَارَ أَخًا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِغَيْرِ الْتِمَاسِ مَوْعِدٍ لِلَّهِ وَيُنْجِزُهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ ، يُنَادُونَهُ مِنْ خَلْفِهِ: أَلَا طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ ، مَرَّتَيْنِ .
وإسناده ضعيف جدا ، فيه ثابت بن أبي صفية ، متروك .
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/363) :" قال أحمد ، وابن معين: ليس بشيء . وقال أبو حاتم: لين الحديث . وقال النسائي: ليس بثقة ". انتهى
ثم هو معضل إلى أبي إسحاق، كما قال ابن عدي في "الكامل" (2/93) .
وفيه كذلك الحارث الأعور ، مشهور بالضعف .
ثانيا:
فضل الزيارة في الله ثابت ، وفيه أحاديث صحيحة مشهورة ، فيها غنى عن هذه الأحاديث الواهية .
ومن أعظمها وأفضلها ما رواه مسلم في "صحيحه" (2567) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، : أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ .
ومنها : ما أخرجه أحمد في "المسند" (22030) ، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ .
وإسناده صحيح ، صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2581) .
وختاما : نسأل الله أن يجعلنا من المتحابين فيه ، والمتزاورين فيه ، والمتجالسين فيه ، والمتباذلين فيه ، آمين .
والله أعلم .
تعليق