الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

حكم القول إنه مسيحي بقصد أن المسلم مسيحي على المسيحية الحقة أكثر من النصارى أنفسهم

299883

تاريخ النشر : 04-03-2019

المشاهدات : 39966

السؤال

هل قول الشخص أنا مسيحي بإيماني ، فأنا أقصد منه أن الإسلام هو امتداد للديانة المسيحية ، وأن الديانة المسيحية الأصلية حرفت ، وأن كل مسلم هو مسيحي أكثر من المسيحيين أنفسهم؟!

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الاسم الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده هو الإسلام ، سماهم جل جلاله به، وأمره أن يتسموا به، وينتسبوا إليه ؛ قال الله تعالى:  وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ  الحج/78 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله: "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ أي: في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون، وَفِي هَذَا أي: هذا الكتاب، وهذا الشرع. أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا، لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ بأعمالكم خيرها وشرها وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ لكونكم خير أمة أخرجت للناس ، أمة وسطا عدلا خيارا ، تشهدون للرسل أنهم بلغوا أممهم ، وتشهدون على الأمم أن رسلهم بلغتهم بما أخبركم الله به في كتابه" انتهى من "تفسير السعدي" (546).

ولا يجوز أن يقول المسلم عن نفسه إنه مسيحي أو يهودي؛ لأن المسيحية اليوم علَم على عبادة المسيح، وتأليهه مع الله، واليهودية علَم على دين الطائفة التي تكفر بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما وسلم.

فهذا الإطلاق محرم، يحكم به على قائله بالكفر ، إلا إن وصله بما يبين براءته من الكفر.

قال الحجاوي في "الإقناع" (4/ 297) في بيانه عما يرتد به المسلم عن دينه : " وإن أتى بقول يخرجه عن الإسلام: مثل أن يقول: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الإسلام" انتهى.

وقد جاء في النصوص ما ينفر عن هذه النسبة الشنيعة، فقد روى البخاري (6105) ، ومسلم (110) عن ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ  .

ورواه الترمذي (1543) وقال: " وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِمِلَّةٍ سِوَى الإِسْلَامِ، فَقَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَتَى عَظِيمًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَإِلَى هَذَا القَوْلِ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ .

وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ : عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الكَفَّارَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ ، وَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ" انتهى.

وعن عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا  رواه (22497) ، وأبو داود (3285) ، والنسائي (3772) ، وابن ماجة (2100) ، وصححه الألباني.

فهذا يدل على تحريم الحلف بهذا ، ولو كان صادقا.

قال النووي رحمه الله في "الأذكار"، ص359: " يحرمُ أن يقولَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو برئ من الإسلام ونحو ذلك.

فإن قاله ، وأرادَ حقيقة تعليق خروجه عن الإِسلام بذلك، صارَ كافراً في الحال، وجرتْ عليه أحكامُ المرتدّين .

وإن لم يُردْ ذلك لم يكفرْ، لكن ارتكبَ محرّماً، فيجبُ عليه التوبة، وهي أن يُقلعَ في الحال عن معصيته، ويندمَ على ما فعل، ويَعْزِمَ على أن لا يعودَ إليه أبداً، ويستغفر الله تعالى ويَقولُ: لا إِله إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله" انتهى.

ثانيا:

من أراد أن الإسلام هو الدين الحق، وأنه دين موسى وعيسى عليهما السلام، وأنهما بريئان مما افتراه اليهود والنصارى، فليقل: نحن أحق بموسى منكم، ونحن أحق بعيسى منكم، وليقل كما قال القرآن:  مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  آل عمران/67 .

وروى مسلم (1130) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟  ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .

ثالثا:

ليس هناك ديانة مسيحية ولا يهودية، بل دين موسى وعيسى ودين جميع الأنبياء هو الإسلام، ولهذا قال الله تعالى:  إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ   آل عمران/19، وقال:  وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ   آل عمران/85 .

ولم يأت نبي بغير الإسلام، الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، وبالبراءة من الشرك وأهله.

قال الله عن نوح عليه السلام:  وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ  يونس/72.

وقال عن إبراهيم:  مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ   آل عمران/67.

وقال عن موسى :  يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ  يونس/84.

وقال عن يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ  يوسف/101.

فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بما جاء من عنده، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء.

ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع فقط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:  أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ  رواه البخاري (3443).

والإخوة لعلات: هو الإخوة لأب.

والمراد أن أصل دينهم واحد، وإن اختلفت فروعهم.

فالواجب الحذر من الألفاظ الباطلة، فإن العبد يتكلم بالكلمة من سخط الله ، يهوي بها في نار جهنم ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (6478) ، ومسلم (2988) عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ .

وعند الترمذي (2319):  إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ  وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

ثم ليحذر العبد من تقصد الإغراب، والتكلف في قوله وفعله ؛ فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ  الحجر/86 .

قال ابن كثير رحمه الله : " يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجرا تعطونيه من عرض الحياة الدنيا وما أنا من المتكلفين أي: وما أزيد على ما أرسلني الله به، ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة." انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/82).

وقد بوب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "بَابُ قَوْلِهِ: وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ".

فليحذر العبد الناصح لنفسه، تلك التكلفات، وليحذر مخالفة هدي المؤمنين، وسبيلهم في التسمي ، والانتساب إلى دين الإسلام الذي سماهم الله به.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب