الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم استعمال ما مسته النار ؛ كالإسمنت والآجر في بناء القبور

302502

تاريخ النشر : 29-10-2019

المشاهدات : 25717

السؤال

اللبن التي نستعملها في تونس تتكون من الإسمنت أو الآجر المصنع ، وسمعت قول من أحد الناس ، ولم يذكر لي دليلا أن الإسمنت والآجر ، وكل شيء لامسته النار في صنعه أو في طبيعته يحرم استعماله في القبر فما صحة هذا القول ؟

الجواب

الحمد لله.

الأفضل أن يكونَ القبر لحدًا ، وذلك بأن يُحفر القبر ، ثم يُحفر في أسفله من جانبه الذي يلي القِبلة ، وذلك إنما يكون في الأرض المتماسكة الصُّلبة ، التي لا يَنهار تُرابها .

واللحد هو الذي اختارَه الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " لَمَّا تُوفِّي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجلٌ يَلْحَد ، وآخر يَضْرَح ، فقالوا : نَستخير ربَّنا ، ونَبعث إليهما ، فأيُّهما سُبِق ، ترَكناه ، فأرسَلنا إليهما ، فسبَق صاحب اللحد ، فلَحَدوا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم".

أخرجه ابن ماجه (1557)، وقال الألباني: حسن صحيح.

وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : " الْحَدُوا لِي لَحْدًا ، وانْصِبوا عليَّ اللَّبِن نَصْبًا ، كما صُنِع برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" أخرجه مسلم (966).

ويجوز أن يكون القبر شقًّا ، وهو أن يُحفر القبر ، ثم يُوضع الميِّت في أسفل الحفرة ، ويُعرَّش فوقه باللَّبِن أو الخشب ونحوه ، ثم يُوضع فوقه التراب .

وعليه : فيفضل أن يُبنى جانبا القبر من اللبن ، أما وضع ما مسته النار في القبر ؛ كالإسمنت والحديد والآجر ونحو ذلك ؛ فقد كرهه طائفة من أهل العلم :

ففي "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 318) : " ويكره الآجر ودفوف الخشب ، لما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : كانوا يستحبون اللبن والقصب على القبور ، وكانوا يكرهون الآجر " انتهى.

وفي "المغني" لابن قدامة (3/ 435) : " ولا يدخل القبر آجرًا ، ولا خشبًا ، ولا شيئًا مسته النار...

ويكره الآجر ؛ لأنه من بناء المترفين ، وسائر ما مسته النار ، تفاؤلا بأن لا تمسه النار " انتهى.

وهنا بيَّن ابن قدامة رحمه الله سبب الكراهة ، وهي :  " التفاؤل بأن لا تمسه النار " .

وفي "تحفة المحتاج" (3/ 168) قال الهيتمي في تعريف الشق : " وهو أن يحفر قعر القبر كالنهر ، ويبنى جانباه بلبن أو غيره ، مما لم تمسه النار " انتهى.

والذي يظهر أنه لا كراهة في استعمال ما مسته النار في القبر إذا كان هناك حاجة إليه ؛ فإن الكراهة تزول مع الحاجة ، خاصة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في النهي عن ذلك .

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : أشكل على بعض المسلمين إدخال اللبن الإسمنتي المتضمن للحديد والإسمنت في القبر مع الميت ، وقالوا بكراهيته ؛ لأنه متضمن لما مسته النار ، ولقد بحثت في مظان الكتب عن دليل تلك الكراهة ولم أقف عليه حتى الآن ، فآمل من سماحتكم -جزاكم الله خيرا- إفادتنا عن حكم إدخالها في القبر مع الميت والاستمرار على ذلك ؛ لأنه أسهل على الناس أو تغييرها إلى اللبن الطيني ؟ علما بأن عملها موكل إلى متعهد .

فأجابت : " إذا كان يوجد لبن من الطين القوي ، فإنه أولى بالاستعمال في سد اللحد من اللبن الإسمنتي .

وإذا لم يوجد اللبن من الطين أو لم يتيسر إلا بكلفة ، فلا بأس باستعمال اللبن الإسمنتي في القبر ؛ لأنه لا دليل على المنع " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - 2" (7/ 310) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :  ما حكم وضع البلك في القبر بدلاً من اللبن الطين ؟

فأجاب : " وضع اللبن أفضل من وضع البلك ؛ لأن البلك قد مسته النار ، وقد كره بعض العلماء أن يكون في القبر شيء مما مسته النار .

لكن إن كان هناك حاجة إلى البلك ، مثل أن يكون اللبن يتفتت ، ولا يصمد للتراب الذي يهال عليه : جاز وضع البلك موضعه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (17/ 399).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب