الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل البلاء موكل بالمنطق؟

السؤال

هل البلاء موكل بالمنطق ، كمن تقول لا أريد الزواج ، ولكن هى لا تعنى ذلك ، لكن فقط سياقا للكلام ، وماذا تفعل من أسرفت على نفسها بكلام مثل هذا ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

مقولة (البلاءُ موكَّلٌ بالمنطق) ليست آيةً قرآنية ولا حديثاً نبوياً، وإنما هي أثرٌ واردٌ عن بعض الصحابة والتابعين، ومَثَلٌ سائر بين العرب من قديم الزمان.

وقد روي حديثاً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح.

قال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". انتهى من "الموضوعات" (3/83).

وروى ابن أبي شيبة في المصنف (13/130) من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود قال: "الْبَلاَءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ"، وصحح إسناده الألباني في "السلسلة الضعيفة "(7/395).

وروى القاضي أبو يوسف في الآثار (ص: 196) بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إِنَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِالْكَلَامِ".

قال السخاوي: " ويشهد لمعناه قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي دخل عليه يعوده ... وأنشد القاضي ابن بهلول:

لا تنطقن بما كرهت فربما ** نطق اللسان بحادث؛ فيكون" انتهى من "المقاصد الحسنة" (ص: 242).

ويشير السخاوي لما رواه البخاري (5338) عن ابن عباسٍ رضي اللَّهُ عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ:  لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّه ، فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرَهُ القُبُورَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  فَنَعَمْ إِذًا  .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : " وفي بعض الآثار: البلاء موكل بالقول، وهو مع هذا من أمثالهم السائرة" انتهى من "الأمثال" (ص: 74).

ثانياً:

المقصود من مقولة ( البلاء موكل بالمنطق ) أن الرجل قد يتكلم بالكلمة فيصيبه بلاءٌ، وِفقَ ما نطق وتكلم به، وهذا صحيح، يشهد له كثير من النصوص الشرعية، والوقائع والحوادث في القديم والحديث، وقد ذكر شيئا من ذلك ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص: 122).

قال أبو الخير الهاشمي: " البلاء موكّل بالمنطق: أي ربّما نطق الإنسان بما يكون فيه بلاء". انتهى من "الأمثال" (ص91).

وقال الزمخشري: " يضْرب فِي كلمة، يتَكَلَّم بهَا الرجل، فَتكون باعثة للبلاء" انتهى من "المستقصى في أمثال العرب" (1/ 305).

ثالثا:

ومع ما سبق؛ فإن ذلك ليس قاعدة عامة مطردة بحيث يقال: إن كل ما يتكلَّم به الإنسان يُبتلى به، ولا هو مقصود من أطلق هذه العبارة، والواقع خير شاهد على بطلان هذا الفهم.

والمغزى من هذا المثل: تحذير الإنسان من النطق بالسوء، أو أن يستفتح على نفسه بشر، أو أن يتشاءم بأمر، ويطلق ذلك في مقاله ونطقه؛ حتى لا يُبتلى به، وأن يحسن انتقاء ألفاظه، ويختار الكلمات الحسنة ذات المعاني الجميلة، والتي تحمل دلالات طيبة، وتفيد تفاؤلاً وأملاً واستبشاراً.

روى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخعي أنه قال: "إِنِّي لأَجِدُ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِالشَّيْءِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؛ إِلاَّ مَخَافَةَ أَنِ أُبْتَلَى بِهِ" انتهى من "الصمت وآداب اللسان" (ص: 169).

وأما من ابتلي بذلك، فيما سبق: فليستغفر الله مما ألم به، ووقع فيه، وليحسن الظن برب العالمين، فإنه سبحانه وتعالى عند ظن عبده به، وليتوكل على رب العالمين، فإنه من يتوكل على الله، فهو حسبه؛ وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

وينظر: بحث مفيد حول هذه المقولة، ومحاملها، للدكتورة هيفاء الرشيد، وفقها الله.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب