الحمد لله.
أولًا :
( البراءة ) في اللغة : مصدر، من الفعل: برئ، يبرأ ، ومعناه : التباعد من الشيء ، والتخلص منه ؛ فالبراءة من الدين، معناها: أنه لا دين عليه ، وأن ذمته قد برئت من المطالبة به . والبراءة من النفاق، معناها: التنزه عنه، وسلامة القلب منه.
قال الزمخشري: " برئ من المرض، وبرأ ، فهو بارئ، ومعناه: مزايلة المرض، والتباعد منه. ومنه: برئ من كذا، براءة ." انتهى، من "الفائق في غريب الحديث"، للزمخشري (1/100).
وقال الفيومي: " وَبَرِئَ زَيْدٌ مِنْ دَيْنِهِ، يَبْرَأُ، مَهْمُوزٌ، مِنْ بَابِ: تَعِبَ، بَرَاءَةً : سَقَطَ عَنْهُ طَلَبُهُ، فَهُوَ بَرِيءٌ وَبَارِئٌ وَبَرَاءٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ . وَأَبْرَأْتُهُ مِنْهُ ، وَبَرَّأْتُهُ مِنْ الْعَيْبِ ، بِالتَّشْدِيدِ : جَعَلْتُهُ بَرِيئًا مِنْهُ ، وَبَرِئَ مِنْهُ مِثْلُ: سَلِمَ وَزْنًا وَمَعْنًى، فَهُوَ بَرِيءٌ أَيْضًا." انتهى، من "المصباح المنير" (46).
ثانيا:
وقد سميت سورة ( التوبة ) باسم ( براءة ) في بعض المصاحف، وجاءت هذه التسمية في كلام الصحابة رضي الله عنهم، وقد ذكر هذا الاسم أكثر المفسرين في كتبهم، وبعضهم عنون به السورة، وبذلك ترجم لها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير.
وهذا الاسم (براءة)، يوحي أن السورة تتحدث عن التبرؤ من المشركين وجهادهم ومفاصلتهم، كوضع متمم لوضع دولة الإسلام بعد استقرارها ورسوخها، فإذا أضيف إلى ذلك اسمها (التوبة) يظهر جانب آخر من السورة وهو تصفية صفوف المسلمين من شوائب النفاق والتأخر عن الجهاد، ويظهر هذا أكثر بالنظر إلى أسمائها الأخرى الواردة.
غير أن هذا (براءة) يجعل المسلم يقف عنده ليتأمل الصفات التي من أجلها تبرأ الله من أقوام، ويجتهد كل الجهد في نفيها عن نفسه .
والبراءة في السورة تتضمن براءة المسلم ممن أمره الله بالتبرؤ منه، فقد قال سبحانه في آية عظيمة في هذه السورة الكريمة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ التوبة / 23 - 24.
وهذا التبرؤ في المحبوبات القلبية.
والسورة تحدثت عن نوع آخر من أنواع التبرؤ، وهو: التبرؤ من الأسباب، قال سبحانه: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التوبة/ 25-27.
انظر: " التحرير والتنوير ": (11/ 50)، " دلائل النظام "، الفراهي (94)، " أسماء سور القرآن وفضائلها "، منيرة الدوسري(203).
ثالثاً:
وأما عن حكم التسمية بـ ( براءة ) : فالأصل أنه لا حرج فيه ، ولا شيء يكره إن شاء الله ، وإنما يسمي به الناس عادة ، تيمنا بمعناه ، وتفاؤلا للصغير أن ( يبرأ ) من الشر ، أو العيب ، أو النقص ، أو مما يحب الناس البراءة منه بعامة .
وهذا هو الغالب على تسمية الناس به ؛ أنهم لا ينظرون إلى خصوص سورة "التوبة" ، وتسميتها بـ ( براءة ) ، ولا يراعون ذلك ، في الغالب عند التسمية .
لكن إن وقعت تسمية الشخص بها ، نظرا لتسمية سورة (التوبة) ، ومراعاة لذلك ، فهنا يكره التسمية به عند بعض أهل العلم ، ونص عليه بعض السلف.
قال ابن القيم : " ومما يمنع منه التسمية بأسماء القرآن وسوره ، مثل : طه ويس وحم ، وقد نص مالك على كراهة التسمية ب يس " ، انتهى ، " تحفة المودود " (127).
وقال بكر بن عبد الله أبو زيد : " وكره جماعة من العلماء التسمية بأسماء سور القرآن الكريم مثل: طه، ويس، وحم " ، انتهى من " معجم المناهي اللفظية " (565).
وعليه ؛ فهذا الاسم (براءة) لا يكره إلا قصد بالتسمية به أنه سورة من القرآن فيكره عند جماعة من أهل العلم
وقد سبق في جواب السؤال رقم (101401) بعض الأسماء الحسنة للنساء .
وسبق بيان ضوابط التسمية في جواب السؤال رقم : (7180).
والله أعلم
تعليق