الحمد لله.
هذا الحديث لا يعرف له أصل؛ وهو مما يتداوله الصوفية من غير إسناد؛ حيث ذكره صاحب كتاب "فتح الله في مولد خير خلق الله" وهو فتح الله البناني المتوفى سنة 1310 هـ (ص 19)؛ حيث قال:
" ووجد في بعض التقاييد حسبما ذكره صاحب هداية المحبين إلى ذكر مولد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ما نصه ...
ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن ينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء قالوا يا رسول الله كيف حالتنا إذا بقينا بعدك ولم ننظر إلى جمالك، قال لهم اكتبوا أوصافي .... – فذكر نحو هذا الخبر – " انتهى.
وهذا الحديث ظواهر الكذب واضحة عليه.
أولا: أنه غير موجود في كتب السنة المشهورة الذين يعتمد عليها المسلمون في معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء في "تدريب الراوي" للسيوطي (1 / 326 - 327):
" ومن المقطوع بكذبه ما نقب عنه من الأخبار، ولم يوجد عند أهله من صدور الرواة، وبطون الكتب، وكذا قال صاحب المعتمد...
وقال ابن الجوزي: ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع.
قال: ومعنى مناقضته للأصول: أن يكون خارجا، عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة " انتهى.
ثانيا: لم يعهد في الشرع ترتيب هذا الأجر المبالغ فيه على عملٍ يسير .
فهذه المبالغة في الأجر لا تأتي إلا في الأحاديث الموضوعة المكذوبة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ونحن ننبه على أمور كلية، يعرف بها كون الحديث موضوعا:
فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جدا... " انتهى. "المنار المنيف" (ص 50).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" ومن جملة القرائن الدالة على الوضع: الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا كثير موجود في حديث القصاص والطرقية، والله أعلم " انتهى من"النكت" (2 / 844).
فالحاصل؛ أن هذا الحديث موضوع ، لكن معرفة أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم: من الأعمال الصالحة والنافعة؛ لأنها لا تحصل من المسلم إلا بدافع حبّه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أو تؤدي إلى حبّه صلى الله عليه وسلم؛ ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم من أجلّ الأعمال وفيه دلالة على ترسّخ الإيمان.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ رواه مسلم (2832).
ثم علامة الحب الصادق: أن يدفع صاحبه إلى ملازمة ما ثبت وصحّ من سنته صلى الله عليه وسلم من غير ابتداع ولا كذب عليه؛ فالاتباع هو الدلالة الصادقة على صحة الحبّ.
قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران /31.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله " انتهى من"تفسير ابن كثير" (2 / 32).
والله أعلم.
تعليق