الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

ضابط كون الشيء مكيلا أو موزونا في باب الربا وحكم بيع البر بالخبز والسمسم بزيته

304075

تاريخ النشر : 03-07-2019

المشاهدات : 14684

السؤال

إذا كان الراجح في علة الربا في الأصناف الأربعة هي الطعم مع الكيل أو الوزن ، فكيف نضبط هذه العلة في وقتنا حيث اختلفت الأمور، فما كان مكيلا أصبح موزونا والعكس صحيح ، وبعض ما يوزن قد يباع بالعدد ، بالإضافة إلى أن هناك أطعمة تصنع من الأصناف الربوية كالحلوى والخبز ، والعصائر وغيرها ؟ فما السبيل إلى ضبط علة الربا فيها؟

الجواب

الحمد لله.

اختلف الفقهاء في علة الربا في الأصناف الستة الواردة في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ: فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ  رواه مسلم (1587).

والراجح أن العلة في الذهب والفضة: الثمنية، والعلة في الأصناف الأربعة هي الطُّعم مع الكيل أو الوزن.

وينظر: جواب السؤال رقم : (279825) .

ثانيا:

لا شك أن كثيرا من المعدودات أصبح يباع الآن وزنا، وأن من المكيلات ما يباع وزنا كذلك، والعبرة في كون الشيء يكال أو يوزن أو يعدّ: هو المعيار الشرعي، وهو ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

ويدل عليه ما روى أبو داود (3340) ، والنسائي (2520) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ  وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

فالبطيخ مثلا وسائر الفواكه: هو من المعدودات، فلا يجري فيه الربا، مع أنه الآن يباع وزنا.

وما لم يكن له عرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: فالأظهر أنه يلحق بأقربه شبها مما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: ومَرَدُّ الكيل لعُرف المدينة، والوزن لعُرف مكة زمنَ النبي صلّى الله عليه وسلّم. أي: مرد كون الشيء مكيلاً أو كون الشيء موزوناً إلى عرف مكة والمدينة، فالكيل نرجع فيه إلى عرف المدينة، فلو كان هذا الشيء مكيلاً في المدينة، وموزوناً في مكة، فإننا نعتبر المكيل بالمدينة، ولو كان هذا الشيء موزوناً في مكة، مكيلاً في المدينة رجعنا إلى مكة.

فعليه يختلف الحكم فيما إذا كان الإنسان في مكة، أو إذا كان في المدينة، فإذا كان في المدينة فالمكيال مكيال المدينة، وإذا كان في مكة فالميزان ميزان مكة، فإن اتفق البلدان على كون الشيء مكيلاً أو موزوناً، صار هذا الشيء مكيلاً أو موزوناً، سواء كان في مكة أو في المدينة.

والمعتبر عرف مكة على عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهذا قد يجهله كثير من الناس فلا يعلمه.

وقد ذكر أهل العلم ـ رحمهم الله ـ ضوابط للمكيل والموزون، فمنها: ما سبق من أن كل مائع مكيل.

ومنها: أن ما تعذر كيله، يعتبر بالوزن كالخبز والتمر المكنوز المجبن وما أشبه ذلك، فإنه يعتبر بالوزن، لكن لا يخرج عن كونه مكيلاً.

وهناك أشياء لا يعرف لها كيل ولا وزن في مكة والمدينة، فإلى أي شيء نرجع؟

قال المؤلف: وما لا عرف له هناك، اعتبر عرفه في موضعه نرجع إلى العرف في موضعه، فإن كان الناس يتبايعونه بالوزن فهو موزون، أو بالكيل فهو مكيل، أو بالعدد فهو معدود؛ لأنه ليس هناك ضابط نرجع إليه بالنسبة لمكة والمدينة.

وقال بعض العلماء: نرده إلى أقرب الأشياء شبهاً به في مكة والمدينة، فإذا كان أقرب الأشياء إليه الكيل في المدينة، فهو مكيل، أو الوزن في مكة فهو موزون.

وهذا القول أقرب إلى النظر؛ لأن ما لا يمكن فيه اليقين، يُرجع فيه إلى غلبة الظن.

وقد يقال: بل إنه إذا لم يكن له عرف في مكة والمدينة، فإننا نطرح الشَّبَهَ ونقول: يرجع إلى ما تعارفه الناس.

وهذا القول الثاني من جهة السهولة على المسلمين والتيسير: أقرب إلى الصواب؛ لئلا يحصل النزاع فيقول: هذا يشبه المكيل في المدينة، وهذا يشبه الموزون في مكة، فيقال: ما دام ليس له عرف في مكة والمدينة، وإنما طرأ حديثاً، فإننا نعتبر عرفه في موضعه، هذا هو الذي مشى عليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 432).

ثالثا:

الصنف الربوي لا يجوز بيع نِيئه بمطبوخه، ولا أصله بعصيره (زيته)؛ فلا يجوز بيع البر بالخبز، أو بحلوى مصنوعة من البر، ولا بيع حب السمسم بزيته، ولا بيع التمر بمعجون التمر، أو بدبسه.

قال في زاد المستقنع: "وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيْقِهِ وَلاَ سَوِيقِهِ وَلاَ نَيْئِهِ بِمَطْبُوخِهِ، وَأصْلِهِ بِعَصِيْرِهِ، وَخَالِصِهِ بِمَشُوبِهِ وَرَطْبِهِ بِيَابِسِهِ".

قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (8/ 416): "قوله: ولا نيئه بمطبوخه، مثل حنطة بهريسة، والهريسة معروفة، فلا يجوز أن يباع الحب بالهريسة.

والجريش: هو عبارة عن الحب يُطحن طحناً ليس دقيقاً بحيث يتكسر، ويكون أجزاء، ثم بعد ذلك يطبخ على مرق، من لحم أو غيره، فيسمى جريشاً، ويسمى هريسة، وأحياناً يُجعل معه شيء من الحلوى، فيوضع عليه سكر أو نحوه، حتى يكون له حلاوة.

المهم أن النِّيء بالمطبوخ: لا يجوز؛ لتعذر التساوي، فلو بعنا حب شعير بهريسة الحنطة، فهذا يجوز لاختلاف الجنس...

قوله: وأصله بعصيره : الأصل لا يباع بالعصير، كما لو كان إنسان عنده زيتون وزيت، والزيت من الزيتون ، فباع زيتوناً ، رطلاً منه أو أكثر أو أقل ، برطل من زيت : فإنه لا يصح، ومثله أن يبيع تمراً بدبس. والدبس هو الماء الذي يخرج من التمر ـ فإنه لا يجوز، وذلك لتعذر التساوي" انتهى.

وقال: " ولا يجوز بيع الخبز بالحب، لعدم إمكان التساوي" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 424).

والتحرز من ذلك سهل، بل قد صار نادرا تعاطي مثل هذه البيعات، فإن الناس الآن يشترون الخبز وحلوى الهريسة وغيرها بالنقود، وليس بالبر، ويشترون الدبس والزيت بالنقود أيضا، ولا ربا بين النقود وهذه الأشياء.

وبهذا يتبين أن علة الربا منضبطة، ولا إشكال في ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب