الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يصح الوضوء والصلاة مع وجود الوشم؟

304706

تاريخ النشر : 08-10-2019

المشاهدات : 155840

السؤال

هل يجوز الوضوء أو يصح الوضوء على جسم عليه وشم، مع العلم إنه قام بوضعه قبل أيام قليلة بحجة أنه يصح الوضوء فوقه؟

ملخص الجواب

الوشم الذي يكون عبارة عن أشكال ترسم على  أماكن من الجسم، باستعمال ألوان خاصة على ظاهر البشرة، دون إدخالها تحت الجلد بإبرة ونحوها لا بؤثر على صحة الوضوء. أما الوشم عن طريق وخز الجلد بإبرة ونحوها، وإدخال أصباغ معينة تختلط بالدم فيترتب عليه أمران: 1- كون الوشم مانعا لوصول الماء إلى البشرة، إلا إن غطاه اللحم. 2- كون المصلي به مصليا بالنجاسة. ولهذا يجب إزالته، إلا أن يخشى الضرر. أما الوضوء: فإنه إن لم يُزله، وكان لم يغطه اللحم، فإنه في الوضوء يغسل الأعضاء السالمة، ويتيمم عن موضع الوشم؛ لأنه لم يصله الماء. فإن غطاه اللحم، فوضوؤه صحيح، لأن الماء وصل إلى البشرة.

الحمد لله.

هل الوشم حرام؟

الوشم محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة. رواه البخاري (5942).

أنواع الوشم

والوشم في هذا العصر على نوعين:

  • النوع الأول: أشكال ترسم على  أماكن من الجسم، باستعمال ألوان خاصة على ظاهر البشرة، دون إدخالها تحت الجلد بإبرة ونحوها. وهذا وإن لم يكن وشما حقيقيا، فهو محرم، لما فيه من التشبه بالكفار والفسقة.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. رواه أبو داود (4031)، وصححه الألباني في “ارواء الغليل” (5 / 109).

وهذا النوع مجرد لون، ولا جِرم له، فلا يؤثر على صحة الوضوء، كالحناء.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:

” ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه، دون عينه، أو أثر دهن مائع؛ بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها، لكن لا يثبت: صحت طهارته ” انتهى من “المجموع شرح المهذب” (1 / 467 — 468).

وقال عثمان بن شطا البكري رحمه الله تعالى:

“وأثر حبر وحناء؛ فإنه لا يضر. والمراد بالأثر: مجرد اللون، بحيث لا يتحصل بالحت – مثلا – منه شيء”. انتهى من “اعانة الطالبين” (1 / 35).

جاء في “الموسوعة العربية العالمية” (27 / 110):

” الوشم: رسومات ذات أثر باق في الجلد، ويتم ذلك عن طريق وخز الجلد بوساطة آلة حادة، بعد غمسها في أصباغ ملونة بألوان طبيعية.” انتهى.

ويؤدي هذا الوخز إلى حبس الدم، وتيبّسه في موضع الوشم، والدم نجس، فيتنجس موضع الوشم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” ويصير الموضع الموشوم نجسا، لأن الدم انحبس فيه، فتجب إزالته إن أمكنت، ولو بالجرح، إلا إن خاف منه تلفا، أو شينا، أو فوات منفعة عضو: فيجوز إبقاؤه، وتكفي التوبة في سقوط الإثم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة ” انتهى من”فتح الباري” (10 / 372).

هل الوشم يمنع صحة الوضوء والصلاة؟

وعلى ذلك؛ فيترتب على هذا الوشم أمران:

  1. كون الوشم مانعا لوصول الماء إلى البشرة، إلا إن غطاه اللحم.
  2. كون المصلي به مصليا بالنجاسة.

ولهذا يجب إزالته، إلا أن يخشى الضرر.

أما الوضوء: فإنه إن لم يُزله، وكان لم يغطه اللحم، فإنه في الوضوء يغسل الأعضاء السالمة، ويتيمم عن موضع الوشم؛ لأنه لم يصله الماء.

فإن غطاه اللحم، فوضوؤه صحيح، لأن الماء وصل إلى البشرة.

وأما الصلاة: فإن كان قادرا على إزالة الوشم، دون ضرر، فلم يزله، لم تصح صلاته لوجود النجاسة، ما لم يغطه اللحم.

وقد ذكر جماعة من الفقهاء هذا التفصيل فيمن خاط جرحه بخيط نجس، أو جبر عظمه بنجس، أو استعمل الوشم.

قال في “كشاف القناع” (1/292): ” (وإن خاط جرحه، أو جبر ساقه ونحوه) كذراعه، (بنجس، من عظم أو خيط، فجبر، وصح) الجرح أو العظم : (لم تلزمه إزالته)، أي: الخيط، أو العظم النجس، (إن خاف الضرر)، من مرض أو غيره، (كما لو خاف التلف)، أي: تلف عضوه، أو نفسه، لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب وهو أهم من رعاية شرط الصلاة…

(ثم إن غطاه اللحم : لم يتيمم له)، لتمكنه من غسل محل الطهارة بالماء.

(وإلا)، بأن لم يغطه اللحم : (تيمم) له، لعدم غسله بالماء.

قلت: ويشبه ذلك الوشم؛ إن غطاه اللحم : غسله بالماء؛ وإلا : تيمم له.

(وإن لم يخف) ضررا بإزالته : (لزمته) إزالته، لأنه قادر على إزالته من غير ضرر، فلو صلى معه لم تصح” انتهى.

وجاء في ” حاشية البجيرمي على شرح المنهج” في الفقه الشافعي (1 / 238):

” وإن فعله – الوشم – حال التكليف : فإن كان لحاجة لم تجب الإزالة، مطلقا.

وإلا : فإن خاف من إزالته محذورَ تيممٍ: لم تجب.

وإلا : وجبت.

ومتى وجبت عليه إزالته، لا يعفى عنه، ولا تصح صلاته معه.” انتهى.

ومن أهل العلم من يرى أن الوشم لا يترتب عليه وجود عين النجاسة على العضو، وإنما يظهر لونها فقط.

وعليه: فلا يلزم التيمم، وتصح الصلاة.

قال  اللبدي في حاشيته على “نيل المآرب” (1/ 37) : ” مسألة: الذي كنا نسمعه من أفواه مشايخنا الكرام، ونَعِيهِ من تقرير ساداتنا الأعلام، أن الوشام نجس، لأنه مختلط بالدم، وتجب إزالته، ولا يطهر بالغسل لبقاء عين النجاسة. فإن لم تمكن إزالته، أو خيف منها ضرر، لزمه التيمم عنه، كمن خاط جرحه، أو جبر ساقه ونحوه بنجس، من خيط أو عظم، وخاف بنزعه الضرر، ولم يستره اللحم فإنه يتيمّم له. وإن غطاه اللحم فلا.

لكن لم أر من نصّ على مسألة الوشام.

والذي يظهر لي عدم لزوم التيمّم له، لأن الظاهر لون النجاسة، لا عينها، وبقاء اللون مع العجز عن إزالته: لا يضر، فهو كالصبغ بنجس.

وما تحت الجلدة لا يلزم التيمم له، كما تقدم. فليحرر. انتهى

وفي “حاشية ابن عابدين” (1/ 330): ” مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْوَشْمِ [تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ].

يُسْتَفَادُ مِمَّا مَرَّ: حُكْمُ الْوَشْمِ فِي نَحْوِ الْيَدِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَالِاخْتِضَابِ، أَوْ الصَّبْغِ بِالْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غُرِزَتْ الْيَدُ، أَوْ الشَّفَةُ مَثَلًا، بِإِبْرَةٍ، ثُمَّ حُشِيَ مَحَلُّهَا بِكُحْلٍ، أَوْ نِيلَةٍ، لِيَخْضَرَّ: تَنَجَّسَ الْكُحْلُ بِالدَّمِ.

فَإِذَا جَمَدَ الدَّمُ، وَالْتَأَمَ الْجُرْحُ : بَقِيَ مَحَلُّهُ أَخْضَرَ.

فَإِذَا غُسِلَ: طَهُرَ؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ يَشُقُّ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَلْخِ الْجِلْدِ، أَوْ جَرْحِهِ.

فَإِذَا كَانَ لَا يُكَلَّفُ بِإِزَالَةِ الْأَثَرِ الَّذِي يَزُولُ بِمَاءٍ حَارٍّ، أَوْ صَابُونٍ؛ فَعَدَمُ التَّكْلِيفِ هُنَا أَوْلَى.

وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ، فَقَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَ فِي يَدِهِ وَشْمًا: لَا يَلْزَمُهُ السَّلْخُ اهـ…

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَشْمَةِ، وَبَيْنَ السِّنِّ، عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا: ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ السِّنَّ عَيْنُ النَّجَاسَة،ِ وَالْوَشْمَةَ أَثَرٌ” انتهى.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ” الوشم في الجسم حرام؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة).

وإذا فعله المسلم في حال جهله بالتحريم، أو عمل به الوشم في حال صغره: فإنه يلزمه إزالته بعد علمه بالتحريم.

لكن إذا كان في إزالته مشقة، أو مضرة : فإنه يكفيه التوبة والاستغفار، ولا يضره بقاؤه في جسمه.” انتهى من “مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز” (10 / 44).

وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم، فإن الذي يظهر على ذراع الواشم مثلا: هو لون النجاسة من تحت الجلد، لا عينها، والنجاسة إذا لم تكن ظاهرة على البدن، صحت معها الصلاة.

ومع هذا: فالواجب على العبدالتباعد عن هذا الوشم، والحذر منه، فإنه محرم، على كل حال، وإذا قدر على إزالته، بأمر لا ضرر فيه، سعى في ذلك؛ فإن بقاءه يترتب عليه بطلان الصلاة عند كثير الفقهاء.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب