الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم الرجوع عن البيع أو الوعد به إذا كان شفويا

307595

تاريخ النشر : 15-01-2023

المشاهدات : 30317

السؤال

أشترى رجل من رجل آخر منزلا، وقدم له عربونا يساوي نصف ثمن المنزل، ووقع معه عقدا يسمى بالعقد الإبتدائي، على أن يكمل العقد النهائي بعد ستة أشهر، ويكمل عندها ثمن المنزل، لكن البائع رفض تكملة البيع، وحاول معه المشتري لكنه رفض، حتى إنه طلب منه إعادة العربون لكنه رفض، مما جعله يرفع عليه دعوى، ولو أنها كانت بعد فترة طويلة قليلا، وإجراءات الدعوى تتطلب المال، وهو لا يجده، فعرض عليه أحد أقاربه أن يعطيه مالا لأستكمال هذه الإجراءات على اعتبار انه عربون للبيع، وسوف يسلمه المنزل بمجرد انتهاء هذه الإجراءات، وفي المقابل سيعطيه هذا القريب باقي ثمن المنزل، كل هذا في حدود سنة، علما أن كل هذا كان شفهيا بدون أي عقد مكتوب، لكن إجراءات الدعوى حصلت فيها مشاكل حالت دون هذا التسليم، فطلب منه الانتظار إلى أن تنتهي، ومرت السنوات، وارتفع ثمن العقار كثيرا، وبعد جهد كبير في هذه الإجراءات، ورؤيته أن هذا البيع خسارة له، قرر أن لا يبعيه هذا المنزل؛ لأنه لا يوجد عقد بينهما، بل هو مجرد وعد، وأخبره أنه سيعيد له عربونه، علما أن هذا القريب الموعود بالبيع شفهيا قرر في إحدى المرات استرجاع ماله قبل فترة طويلة، وأرجعه له، إلا إنه عاد مرة أخرى وأعاد دفع العربون، وقرر الإنتظار. فهل يجوز التراجع عن هذا الوعد بالبيع الشفهي؟ وهل يمكن تعويض هذا القريب على هذا الإنتظار الطويل المقدر بسنوات، والذي أثناءه ارتفع ثمن العقارات، أم انه قد يعتبر ربا ؟ وهل يمكن تجديد البيع بشكل مكتوب بأسعار متوافقة مع الوضع الحالي؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

الذي يفهم من سؤالك أن البيع الأول قد تم، وأن البائع رفض تسليم المبيع.

وسواء دفع المشتري ما بقي من الثمن، أم لم يدفع، لما ذكرت من امتناع البائع من تسليمه المنزل، فإن البيع صحيح، وقد ملك المشتري به المنزل شرعا.

ثانيا:

ما دفعه قريب المشتري على أنه عربون للبيع فيه تفصيل:

1-فإن كان ما تم هو مجرد وعد بالبيع، فهذا لا يعتبر عربونا شرعا؛ فإن العربون ما كان مع العقد، لا مع الوعد.

ولا يلزم صاحب المنزل أن يبيعه لقريبه، وعليه أن يرد المال له، وإن زاده شيئا مراعاة للضرر الذي لحقه، فخير، لكن لا يلزمه ذلك؛ لأن ما في ذمته دين، والدين يسدد بمثله.

ولهما أن يتبايعا الآن بالثمن الذي يتفقان عليه.

2-وإن كان ما تم بينها هو بيع جازم، فالأظهر أن هذا بيع فاسد، لأنه باع العقار قبل تمام ملكه، ووضع يده عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ رواه الترمذي (1232)، والنسائي (4613)، وأبو داود (3503)، وابن ماجه (2187)، وأحمد (14887)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1292).

قال الشيخ ابن باز، رحمه الله : " لا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إلا إذا كان مالكا لها وقد قبضها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : (لا تبع ما ليس عندك) وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : (لا يحل سلف وبيع ، ولا بيع ما ليس عندك) رواه الخمسة بإسناد صحيح.

وهكذا الذي يشتريها؛ ليس له بيعها حتى يقبضها أيضا؛ للحديثين المذكورين ؛ ولما رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ؛ ولما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : (لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا - يعني الطعام - يضربون أن يبيعوه في مكانه حتى يؤوه إلى رحالهم) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (19/64).

وينظر جواب السؤال رقم:(169750). 

وقبض العقار، من الأراضي والمنازل ونحوها، إنما يكون بتسليمه للمشتري، وتمكينه من التصرف فيه؛ لا بنقله من مكانه، كما هو معلوم.

قال الدردير في "شرحه الكبير" (3/145): " (وقبض العقار) ، وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر (بالتخلية) بينه وبين المشتري وتمكنه من التصرف فيه بتسليم المفاتيح إن وجدت، وإن لم يخل البائع متاعه منها إن لم تكن دار سكنى، وأما هي، فإن قبضها بالإخلاء ولا يكفي التخلية" انتهى.

وعلى ذلك؛ فما لم يخل البائع الأول بين المشتري والمنزل الذي اشتراه، فإن ملكه عليه غير تام، ولا يصح للمشتري أن يبيعه لغيره، إلا بعد وضع يده عليه.

لكن بما أنهما عقدا البيع وهما يعتقدان صحته، ودفع المشتري الثاني جزءا من ثمنه، وبقي كل هذا الزمان عند صاحبه؛ فالذي نراه أن مقتضى العدل بينهما أن المشتري الأخير يملك حصة في المنزل بقدر ما دفع من ثمنه، وينتفع كل منهما بغنم ما دفع في ثمنه من المال.

ثم لهما أن يصطلحا بعد ذلك على الشركة فيه إلى أن يبيعاه، أو ما يتفقان عليه. 

فإذا كان ما دفعه المشتري الثاني يساوي نصف ثمن البيت، مثلا؛ فإن نصيبه في ربح المنزل، بارتفاع سعره، يكون في حدود ما دفع فقط، فيكون له النصف، وإن شاء أكمل ثمنه بسعر يومه، وإن شاء فسخ البيع مع صاحبه، واصطلحا على ما يكون عليه الفسخ، إما بنصف ثمنه اليوم، أو بأكثر، أو بأقل على ما يصطلحان عليه.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(184263)، وما نقلناه عن الشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمه الله، هناك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب