الحمد لله.
أولا :
إذا كان والدك قد توفي بعد وجوب الزكاة عليه ، ووجوب الزكاة في النقود يكون بعد مرور حول كامل على النصاب ، ويكون في زكاة الزروع والثمار إذا يبس الحب وظهر الصلاح في الثمر .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "بيان شروط وجوب الزكاة" :
"قوله: ويعتبر أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة. أي: ويشترط أيضاً أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة.
ووقت وجوب الزكاة في ثمر النخل: ظهور الصلاح في الثمرة بأن تحمر أو تصفر، وفي الحبوب أن تشتد الحبة ، بحيث إذا غمزتها لا تنغمز ، تكون مشتدة، فيشترط أن يكون مملوكاً له في هذا الوقت ، فلو باعه قبل ذلك فإنه لا زكاة عليه، وكذلك إن ملكه بعد ذلك فلا زكاة ....
فلو مات المالك بعد بدوِّ الصلاح، فلا زكاة على الوارث؛ لأنه ملكه بعد وجوب الزكاة، لكن الزكاة في هذه الحالة على المالك الأول (الميت) فتخرج من تركته" انتهى، من "الشرح الممتع" (6/74).
فإذا كانت الزكاة قد وجبت في مال الوالد قبل وفاته، على التفصيل السابق: ففي هذه الحالة تكون الزكاة دينا عليه ، فيجب إخراجها قبل تقسيم التركة على الورثة ، لأن الديون التي على الميت -سواء كانت حقوقا لله تعالى كالزكاة أو الكفارات، أم كانت حقوقا للناس كالقروض - يجب إخراجها من التركة قبل تقسيمها ، قال الله تعالى في بيان حقوق الورثة وتأخيرها بعد الوصية والدين : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/12 .
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (4/404) :
(وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ بِالْمَعْرُوفِ [أي تجهيز جنازة الميت كنفقات الكفن والدفن ... ونحو ذلك]: (يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ)، سَوَاءٌ وَصَّى بِهَا أَوْ لَا.
وَيَبْدَأُ مِنْهَا بِالْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ الْمَالِ، كَدَيْنٍ بِرَهْنٍ ... ثُمَّ الدُّيُونِ الْمُرْسَلَةِ فِي الذِّمَّةِ (سَوَاءٌ كَانَتْ) الدُّيُونُ (لِلَّهِ) تَعَالَى (كَزَكَاةِ الْمَالِ وَ) صَدَقَةِ (الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ) وَالنَّذْرِ، (أَوْ) كَانَتْ (لِآدَمِيٍّ، كَالدُّيُونِ) مِنْ قَرْضٍ وَثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ ...
ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى وَرَثَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 12]" انتهى.
وفي حالة وجوب الزكاة على والدكم: يجب صرف الزكاة في المصرف الذي حدده ، لأن تَصَرُّف الموصى إليه بالتصرف: إنما هو بمقتضى "الوكالة والأمانة" "المغني" (8/560).
فيجب عليكم أن تلتزموا بمقتضى الوكالة والأمانة ، ولا تتجاوزوا ما وصاكم به.
ثانيا :
أما إذا كان والدكم قد توفي قبل وجوب الزكاة عليه ، بأن يكون توفي قبل مرور حول على النقود، أو قبل اشتداد الحب، وظهور الصلاح في الثمر ، ففي هذه الحالة لا زكاة على الوالد ، وتجب الزكاة عليكم أنتم .
ولكم في هذه الحالة أن تتفقوا على إخراج الزكاة قبل قسمة التركة ، أو قسمتها ويخرج كل منكم زكاته بعد ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (98528) .
ولا يلزمكم في هذه الحالة أن تدفعوا الزكاة لمن عينهم الوالد وأوصى بدفعها إليهم ، لأنه في هذه الحالة يوصي في شيء لا يملكه، ولا حق له فيه .
قال في "الشرح الكبير" (17/484، 485) .
"ولا تَصِحُّ الوصيةُ إلَّا في مَعْلُومٍ، يَمْلِكُ المُوصِي فِعْلَه؛ كقَضاءِ الدَّينِ، وتفرِيقِ الوصيةِ، والنَّظَرِ في أمرِ الأطْفالِ، لأنَّ الوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بالإِذْنِ، فلم يَجُزْ إلَّا في مَعْلُومٍ يَمْلِكُ المُوصِي فِعْلَه، كالوَكالةِ، فيَجُوزُ أن يُوصِيَ إليه بقَضاءِ دُيُونِه واقْتِضائِها، ورَدِّ الوَدائِعِ واسْتِرْدادِها؛ لأنَّه يَمْلِكُ ذلك، فمَلَكَه وَصِيُّه...". انتهى .
ومع ذلك فيستحب لكم أن تدفعوا الزكاة في المصارف التي حددها الوالد ، إذا كانوا من أهل الزكاة ، صلةً للرحم ، وبرًّا بالأب .
روى مسلم (2552) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ؟ قَالَ : بَلَى ، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ ، وَقَالَ : ارْكَبْ هَذَا ، وَالْعِمَامَةَ ، قَالَ : اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ .
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ! أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ . فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ: صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ)؛ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ ".
ثالثا :
أما دفع الزكاة لك ولوالدتك .
فإن كان لكما ما يكفيكما النفقة، من أرض، أو عقارات، أو عمل: فلا يجوز لكما أخذ الزكاة .
وإذا كنتما محتاجين إلى المال مع امتلاككما جزء من المزرعة التي تركها الوالد ، وليس عندكما ما يكفي نفقتكما: فيجوز لإخوتك دفع زكاتهم لك، في احتياجاتك أنت الخاصة، من دراسة ونحوها. والأحوط أن ينفقوا عليك، ولا يدفعوا زكاتهم إليك إن كان معهم من المال ما يكفي ذلك .
وينظر جواب السؤال رقم : (78994) .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
هل يجوز أن يُخرج المسلمُ زكاةَ ماله لأخيه المُقبل على الزواج، أو أخته الفقيرة؟
فأجاب : "نعم، إذا كان أخوه عاجزًا عن الزواج، فلا بأس أن يساعده من الزكاة، وهكذا أخته الفقيرة، لا بأس أن يُواسيها من الزكاة.
إلا إذا كانت في بيته، وكان أخوه في بيته، وهو قائمٌ بنفقته، ويستطيع ذلك؛ فلا يُعطيه الزكاة، يُعطيها غيره؛ لأنه في عياله، في مؤنته، وهو قادرٌ على ذلك، فيُعطي الزكاة غيره.
أما إذا كانوا مُستقلين، ويحتاجون إلى رِفْقِه وإعانته على الزواج، أو إعانة المرأة على حاجاتها؛ فلا بأس بذلك.
والأحوط له إذا كان قادرًا: أن يُنفق عليهما من ماله، ولو كانا بعيدين" انتهى .
http://bit.ly/2WEmIkf
أما والدتك: فيجب عليهم أن ينفقوا عليها ، ولا يجوز أن يدفعوا زكاتهم لها؛ فإن دفعوا الزكاة إليها في هذه الحالة فلا تجزئهم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/269) : " ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين . قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين, في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم , ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته , وتسقطها عنه , ويعود نفعها إليه , فكأنه دفعها إلى نفسه " انتهى باختصار .
تعليق