الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

إذا حصل الشك في حدوث الجماع هل يبطل تفويض الطلاق للمرأة ؟

310669

تاريخ النشر : 19-08-2019

المشاهدات : 6692

السؤال

في حالة توكيل الطلاق للزوجة ، أو تخييرها ، أو تمليكها الطلاق ، كنت قد قرأت أن الوطء يفسد ذلك التفويض ، فما هو الحكم إذا لم نتذكر هل حدث جماع أم لا بعد عمل التفويض بالطلاق للزوجة من الزوج ؛ يعني هل ذلك التفويض يكون فاسدا في هذه الحالة أم أن الأصل هنا أن التفويض موجود ؟ وآمل ذكر آراء الفقهاء في ذلك الموضوع .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

توكيل الزوجة في الطلاق أو تفويضها فيه  ، يبطل بالجماع.

قال ابن قدامة رحمه الله : "وإن وطئها الزوج: كان رجوعا؛ لأنه نوع توكيل ، والتصرف فيما وكل فيه، يُبطل الوكالة.

وإن ردّت المرأة ما جُعل إليها: بطل ، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل" انتهى من " المغني " (7/ 403).

وقال في "زاد المستقنع": "فَإِنْ رَدَّتْ، أَوْ وَطِئَ ، أَوْ طَلَّقَ ، أَوْ فَسَخَ : بَطَلَ خِيَارُهَا".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: "إن قال: أمرك بيدك، أو اختاري نفسك، فقالت: لا أريد ذلك ، فما تملك الطلاق، كما لو قلت لشخص: خذ هذا الشيء بعه، فقال: لا، ما أنا ببائعه، ثم بعد ذلك أخذه وباعه: فلا يجوز، فما دام رد، انقطعت الوكالة.

وكذلك لو وطئها، أو طلق ، أو فسخ ، كما سبق ؛ فإنه يبطل اختيارها" انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 87).

ومثال فسخ الزوج للتفويض : أن يقول: رجعت عن قولي : أمرك بيدك أو اختاري نفسك.

ثانيا:

إذا حصل الشك في حصول الجماع، فهو كعدمه، فيبقى التفويض، إن كان من النوع الذي لا يتقيد بالمجلس.

وفي تقييد التفويض بالمجلس أو تعميمه في الأزمنة، خلاف وتفصيل عند الفقهاء.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/ 112): " زمن تفويض الزوجة :

صيغة التفويض: إما أن تكون مطلقة ، أو تكون مقيدة بزمن معين ، أو تكون بصيغة تعم جميع الأوقات.

(أ) فإن كانت صيغة التفويض مطلقة:

فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن حق الطلاق للمرأة مقيد بمجلس علمها وإن طال، ما لم تبدل مجلسها حقيقة كقيامها عنه، أو حكماً بأن تعمل ما يقطعه مما يدل على الإعراض عنه.

وكان الإمام مالك يقول بأن التخيير والتمليك المطلقين باقيان بيدها، ما لم توقَفْ عند الحاكم، أو تمكن زوجها من الاستمتاع منها عالمة طائعة، ثم رجع إلى ما ذهب إليه الجمهور، وهو ما أخذ به ابن القاسم، ورجحه الدردير والدسوقي.

وقال الشافعية: لو أخرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب، ثم طلّقت: لم يقع.

وأما الحنابلة فقد جعلوا لكل صيغة من صيغ التفويض حكما خاصا بها.

فلو قال لها " أمرك بيدك " فلا يتقيد ذلك بالمجلس، ولها حق تطليق نفسها على التراخي، وذلك لأنه توكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد، وكذلك الحكم لو قال لها: طلقي نفسك، فهو على التراخي؛ لأنه فوضه إليها، فأشبه " أمرك بيدك".

ولو قال لها: اختاري نفسك، فهو مقيد بالمجلس، وبعدم الاشتغال بما يقطعه عرفا، وهذا مروي عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر، ولأنه خيار تمليك، فكان على الفور، كخيار القبول.

إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك، بأن يقول لها " اختاري نفسك يوما أو أسبوعا أو شهرا "، ونحوه فتملكه.

(ب) وإن كانت صيغة التفويض تعم جميع الأوقات، فيكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت ولا يتقيد بالمجلس.

وقيده المالكية بعدم وقفها عند الحاكم لتطلّق، أو تُسقط التمليك، أو يكون منها ما يدل على إسقاطه، كأن تمكنه من الاستمتاع بها، وذلك لأنهم يقولون بوجوب التفريق بين الزوجين في حالة التفويض، حتى تجيب بما يقتضي ردا أو أخذا، وإلا لأدى إلى الاستمتاع في عصمة مشكوك في بقائها.

وهذا في تفويض التمليك والتخيير، دون التوكيل، لقدرة الزوج على عزلها.

(ج) وإن كانت صيغة التفويض مقيدة بزمن معين، فإنه يستمر حق تطليق نفسها إلى أن ينتهي هذا الزمن، ولا يبطل التفويض المؤقت بانتهاء المجلس، ولا بالإعراض عنه.

وعند المالكية يستمر ما لم توقف عند الحاكم، أو يكن منها ما يدل على إسقاطه" انتهى.

فلا بد من معرفة صيغة التفويض أو التوكيل، وهل أطلق الزوج، أو قيد تفويضه بزمن معين.

قال في زاد المستقنع: " وَإِنْ قَالَ: (أَمْرُكِ بِيَدِكِ): مَلَكَتْ ثَلاَثاً، وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً، وَيَتَرَاخَى، مَا لَمْ يَطَأْ أَوْ يُطَلِّقْ، أَوْ يَفْسَخْ.

وَيَخْتَصُّ (اخْتَارِي نَفْسَكِ)، بِوَاحِدَةٍ ، وَبِالمَجْلِسِ المُتَّصِلِ ، مَا لَمْ يَزدْهَا فِيهِمَا، فَإِنْ رَدَّتْ أَوْ وَطِئَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ فَسَخَ بَطَلَ خِيَارُهَا".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه (13/ 86): " لاحظ الفرق بين العبارتين اختاري نفسك و أمرك بيدك : فالأولى تختص بواحدة، بمعنى أنها لا تملك أن تطلق نفسها ثلاثاً، وكذلك تختص بالمجلس المتصل يعني لا يتراخى؛ لأنه يشبه الإيجاب والقبول، فكما أن الإيجاب والقبول في صيغ العقود، لابد أن يكون على الفور؛ فكذلك هنا.

فإذا قال: اختاري نفسك، وتفرَّقَا، ثم قالت بعد ذلك: طلقت نفسي أو اخترت نفسي، لا تطلق ولا يكون شيئاً؛ لأنه لا بد أن يكون الخيار في نفس المكان.

وكذلك لو قالت: اخترت نفسي اختياراً بائناً، تريد ثلاثاً ؛ ما يقع، إلا واحدة فقط، مع أن ظاهر اللفظ يشمل الواحدة والثلاث، بل ربما نقول: إنه إلى الثلاث أقرب؛ لأن كونها تختار نفسها، معناه أن تبين منه بينونة لا سبيل له عليها.

ولهذا في المسألة قول آخر: أنه إذا قال لها: اختاري نفسك، واختارت الفراق البائن: فلها ذلك" انتهى.

ومثل "أمرك بيدك": طلقي نفسك، فإنه يكون على التراخي. وينظر: "كشاف القناع "(5/ 254).

والحاصل:

أن الجماع المشكوك في حصوله كعدمه، ويبقى التفويض إن كان من النوع الذي يبقى ولا يتقيد بالمجلس.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب