الحمد لله.
أولا:
الأصل حل ذبيحة الكتابي ، إذا لم يُعلم أنه ذكر اسم غير الله كالمسيح والروح القدس؛ لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ المائدة/5
فإن عُلم أنه ذكر اسم غير الله، حرمت الذبيحة؛ لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ المائدة/3، وقوله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ الأنعام/145 .
فما أهل لغير الله به، فهو محرم، سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا.
وعليه فذبيحة الكتابي لا تخلو من أحوال:
1-أن يذكر اسم الله تعالى عليها، فتحل.
2-أن يذكر اسم غيره، فتحرم.
3-أن يُجهل الحال، فلا ندري ذكر اسم الله أو اسم غيره، فالأصل الحل، ونسمي نحن على اللحم.
قال في "كشاف القناع" (6/ 209): "(وإن ذبح الكتابي باسم المسيح أو غيره لم تبح) الذبيحة، لقوله تعالى وما أهل لغير الله به [المائدة: 3] .
(وإذا لم يُعلم: أسمى الذابح أم لا، أو) لم يُعلم (أذكر اسم غير الله أم لا؟ فـ) فالذبيحة (حلال)، لحديث عائشة: قالوا يا رسول الله إن قوما حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم، لا ندري أذكروا اسم الله، أم لم يذكروا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا رواه البخاري" انتهى.
وقال في "أسنى المطالب" (1/ 540): "(ولا تحل ذبيحة كتابي للمسيح) أو غيره مما سوى الله تعالى ، كموسى - عليه السلام - (ولا) ذبيحة (مسلم لمحمد) - صلى الله عليه وسلم - (أو للكعبة) ، أو غيرهما مما سوى الله؛ لأنه مما أهل به لغير الله" انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم : (174514) .
ثانيا:
إذا قال اليهودي: باسم الرب، فلا إشكال في حل ذبيحته، لأن الرب من أسماء الله تعالى، واليهود لا يقصدون به غير الله.
وإذا قال النصراني ذلك، فإنه يحتمل أن يريد بالرب عيسى عليه السلام، لكن هذا لا يمنع من حل ذبيحته؛ لأنه لم يسمِّ غير الله في الظاهر.
فالعمل هنا على الأصل الذي قدمناه، وهو حل ذبيحة الكتابي ما لم يسم اسم غير الله على الذبيحة.
بل نص بعض الفقهاء على أن النصراني لو ذبح تقربا للمسيح، أو لمريم، لكن ذكر اسم الله: أن ذبيحته تحل، فإن سمى اسم غير الله لم تحل.
قال في "مطالب أولي النهى" (6/ 337): "(أو) ذبح (كتابي لعيده، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمه، لم يحرم علينا إذا ذكر اسم الله تعالى فقط)، نصا [أي : نص عليه الإمام أحمد] ؛ لأنه من جملة طعامهم، فدخل في عموم الآية، ولقصده الذكاة، وحل ذبيحته.
فإن ذكر عليه غير اسمه تعالى وحده، أو مع اسمه تعالى: لم يحل؛ لأنه أهل به لغير الله.
(لكن يكره ما ذبحه كتابي لعيده، أو لمن يعظمه)، كمريم وعيسى، إن ذكر اسم الله عليه، ولم يذكر غير اسمه؛ لأنه من جملة طعامهم، فدخل في عموم الآية، ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل ذبيحته.
وكونه يكره : للخلاف فيه .
(وعنه) ، أي: الإمام أحمد (أنه يحرم) ، واختاره الشيخ تقي الدين (قال: وكذلك المنوي به ذلك) ، أي: لأنه للعيد، أو لمن يعظمه؛ لأنه أهل به لغير الله.
والأول: عليه المعول؛ لأنه روي عن العرباض بن سارية وأبي أمامة وأبي الدرداء" انتهى.
ونص الحنفية: على أنه لو أراد بالله: المسيح، حلت ذبيحته، اعتبارا باللفظ دون النية.
قال في "بدائع الصنائع" (5/ 46) : "ثم إنما تؤكل ذبيحة الكتابي، إذا لم يُشهد ذبحه، ولم يسمع منه شيء، أو سُمع وشُهد منه: تسمية الله تعالى وحده؛ لأنه إذا لم يسمع منه شيء، يُحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى، وجرد التسمية؛ تحسينا للظن به، كما بالمسلم.
ولو سُمع منه ذكر اسم الله تعالى، لكنه عنى بالله عز وجل المسيح - عليه الصلاة والسلام - قالوا: تؤكل؛ لأنه أظهر تسمية هي تسمية المسلمين، إلا إذا نص فقال: بسم الله الذي هو ثالث ثلاثة؛ فلا تحل.
وقد روي عن سيدنا علي - رضي الله عنه - أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب، وهم يقولون ما يقولون؟
فقال: - رضي الله عنه - قد أحل الله ذبائحهم، وهو يعلم ما يقولون.
فأما إذا سُمع منه أنه سمى المسيح - عليه الصلاة والسلام – وحده، أو سمى الله سبحانه وتعالى وسمى المسيح": لا تؤكل ذبيحته، كذا روي عن سيدنا علي - رضي الله عنه - ، ولم يرو عن غيره خلافه؛ فيكون إجماعا.
ولقوله عز وجل وما أهل لغير الله [المائدة: 3]: وهذا أهل لغير الله عز وجل به؛ فلا يؤكل". انتهى.
والحاصل:
حل ذبيحة الكتابي إذا قال باسم الرب.
والله أعلم.
تعليق