الخميس 9 شوّال 1445 - 18 ابريل 2024
العربية

حديث؛ لَو عَلِمْتُمْ قَدْرَ رَحْمَةِ اللَّهِ لَاتَّكَلْتُم.

311303

تاريخ النشر : 27-07-2019

المشاهدات : 17659

السؤال

" لو علمتم قدر رحمة الله لاتكلتم عليها " سمعت بأن هذا الكلام من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولا أعلم مدى صحة هذا الحديث ، فآمل توضيح ذلك .

ملخص الجواب

الحديث ضعيف الإسناد، لكن معناه ورد من النصوص الصحيحة ما يشهد لمعناه، من حيث الجملة؛ يعني: أن على المسلم ألا يعبد الله تعالى بالخوف وحده، ولا بالطمع وحده، بل يجمع بينهما ليحسن عمله، فتناله رحمة الله تعالى.

الجواب

الحمد لله.

هذا الحديث رواه ابن أبي الدنيا في كتابه "حسن الظن بالله تعالى" (ص 73)، قال: وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا مُوسَى الْإِسْوَارِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَو عَلِمْتُمْ قَدْرَ رَحْمَةِ اللَّهِ لَاتَّكَلْتُمْ وَمَا عَمِلْتُمْ مِنْ عَمَلٍ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ قَدْرَ غَضَبِهِ مَا نَفَعَكُمْ شَيْءٌ  .

ورواه البزار من حديث أبي سعيد، كما في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (4 / 85)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَوْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لاتَّكَلْتُمْ، أَحْسِبُهُ قَالَ: عَلَيْهَا  .

ورواه الواحدي في تفسيره "الوسيط" (2 / 346) بلفظ قريب من لفظ ابن أبي الدنيا، حيث قال:

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لَوْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لاتَّكَلْتُمْ عَلَيْهَا وَمَا عَمِلْتُمْ إِلَّا قَلِيلا، وَلَوْ تَعْلَمُونَ قَدْرَ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى لَظَنَنْتُمْ أَنْ لا تَنْجُوا وَأَنْ لا يَنْفَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ  .

وهذه الأسانيد تدور على عطية وهو ابن سعد العوفي، وهو ضعيف، قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى:

" عطية بن سعد العوفي الكوفي: تابعي مشهور، مجمع على ضعفه " انتهى من  "المغني" (2 / 436).

والرواة عنه، هما:

حجاج وهو ابن أرطاة النخعي القاضي أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس. "تقريب التهذيب" (ص 152).

وموسى الأسياري، قال الذهبي رحمه الله عنه:

" موسى بن سيار الأسواري:

ضعفه يحيى القطان.

وقال أبو حاتم: مجهول.

قلت: وهو بصري، ويروي أيضا عن بكر بن عبد الله، والحسن، وعاصم ابن بهدلة، وعطية العوفي " انتهى من "ميزان الاعتدال" (4 / 206).

فهذا الحديث ضعيف الإسناد؛ لأن مداره على رواة ضعفاء.

لكن متنه ورد ما يشهد له:

فروى ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله تعالى" (ص 75)، قال: وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   لَوْ يَعْلَمُ الْعَبْدُ قَدْرَ عَفْوِ اللَّهِ ، مَا تَوَرَّعَ مِنْ حَرَامٍ . وَلَوْ يَعْلَمُ قَدْرَ عُقُوبَتِهِ ، لَبَخَعَ نَفْسَهُ  .

لكن هذا سند ضعيف لإرساله.

وقد رأى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، أن الحديث السابق يتقوى بمرسل قتادة هذا، فحسّنه، في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5 / 200 - 201).

وقال البوصيري رحمه الله تعالى:

" وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   لو تعلمون قدر سعة رحمة الله لاتكلتم عليها، وما عملتم إلا قليلا، ولو تقدرون قدر غضب الله أو قدر عذاب الله لظننتم أن لا تنجوا ولا ينفعكم منه شيء  .

رواه أبو بكر بن أبي شيبة بسند فيه عطية العوفي وهو ضعيف.

وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه ابن حبان في صحيحه " انتهى من "إتحاف الخيرة المهرة" (7 / 369).

وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه، الظاهر أنه الوارد في "الإحسان" (2 / 56):

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ فِي الْجَنَّةِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدٌ  .

وقد رواه الإمام مسلم (2755)، ورواه البخاري في "الصحيح" (6469) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ، لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ  .

قال الكرماني رحمه الله تعالى:

" والمقصود من الحديث: أن الشخص ينبغي أن يكون بين الخوف والرجاء؛ يعني لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من الفرقة المرجئة – الذين يهونون من المعاصي ، ويجحدون بعض نصوص الوعيد بالعذاب -، ولا مفرطا في الخوف بحيث يصير من الوعيدية – الذين يقولون بتخليد المسلمين أصحاب المعاصي في النار -، بل يكون بينهما ، قال تعالى: ( وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ).

وكل من يتبع الملة الحنيفية السمحة السهلة: عرف أن قواعدها، أصولا وفروعا؛ كلها في الوسط " انتهى من  "الكواكب الدراري" (22 / 227).

فالحاصل؛ أن الحديث ضعيف الإسناد، لكن معناه ورد من النصوص الصحيحة ما يشهد لمعناه، من حيث الجملة؛ يعني: أن على المسلم ألا يعبد الله تعالى بالخوف وحده، ولا بالطمع وحده، بل يجمع بينهما ليحسن عمله، فتناله رحمة الله تعالى.

قال الله تعالى:  وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ   الأعراف /56.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب