الحمد لله.
أولا:
المواقيت المكانية للحج والعمرة : بينها النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري (1524) ومسلم (1181) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ".
ويؤخذ من قوله: "وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ " : أن من كان من أهل جدة وأراد الإحرام بالحج والعمرة أحرم من مكانه، لأنها دون المواقيت، وهذا متفق عليه.
قال الدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي في بحثه الذي هو بعنوان: "توضيح المبهمات في مسألة كون جدة ميقات":
"فلقد ظهر في الآونة الأخيرة خلاف بين بعض أهل العلم حول اعتبار مدينة جِدة ميقاتاً مكانياً لأداء مناسك الحج والعمرة، مع اتفاقهم على أنها ميقات لأهلها" انتهى.
ثانيا:
القول بأن جدة ليست ميقاتا مطلقا، هو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة، وهو في مقابل قولين:
1-قول من يقول: إنها ميقات لكل من يمر عليها ، ويأتي من جهتها ، برا أو جوا أو بحرا، لأنها محاذية لميقات الجحفة، ويلملم، وقد ذهب إليه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، رحمه الله.
2-قول من يقول: إنها ميقات لمن يأتي من غربها مباشرة، وهم أهل جنوب مصر وشمال السودان، لأنها أول أرض يقابلونها، ولا ينضبط إحرامهم قبلها في البحر. وهذا القول ذهب إليه الشيخ عبد الله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية سابقاً، والشيخ عبد العزيز بن باز ، و الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، رحمهم الله، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حفظه الله.
فذهب مجمع الفقه الإسلامي إلى أن جدة ليست ميقاتا لمن يأتي من جهتها ، أو يمر عليها، سواء جاء من شمالها أو جنوبها أو غربها، برا أو بحرا أو جوا، خلافًا للقول الأول الذي اعتبرها ميقاتها مطلقا، وخلافا للقول الثاني الذي جعلها ميقاتا لمن يأتي من غربها مباشرة.
فالخلاف فيمن يأتي على جدة من غير أهلها، وأما أهلها فإنهم يحرمون منها اتفاقا.
وأدلة هذا القول –وهو أن جدة ليست ميقاتا لمن يقدم من جهتها- واضحة، وهي أن الشرع لم يجعلها ميقاتا، وأنها ليست محاذية لميقات الجحفة أو يلملم، بل هي أقرب إلى مكة منهما، وأن من مر على البحر لم يصعب عليه الإحرام عند محاذاة الجحفة، وهذا يُعلم الآن بالوسائل الحديثة، فيمكنه الإحرام وهو في البحر، قبل أن يصل إلى جدة، فإذا اشتبه عليه الأمر، أحرم قبل وصوله إلى ما يظن أنه محاذ للميقات، احتياطا.
جاء في نص قرار مجمع الفقه الإسلامي:
" فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد ناقش في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402 هـ. والمصادف 4/2/1982 م موضوع : "حكم الإحرام من جدة ، وما يتعرض إليه الكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج والعمرة عن طريق الجو والبحر" ، لجهلهم عن محاذاة المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب الإحرام منها على أهلها ، ومن مر عليها من غيرهم ، ممن يريد الحج أو العمرة.
وبعد التدارس واستعراض النصوص الشرعية الواردة في ذلك ، قرر المجلس ما يأتي:
أولاً: إن المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوجب الإحرام منها على أهلها ، وعلى من مر عليها من غيرهم ، ممن يريد الحج والعمرة، وهي: ذو الحليفة ، لأهل المدينة ومن مر عليهم من غيرهم ، وتسمى حاليًا (أبيار علي) ، والجحفة ، وهي لأهل الشام ومصر والمغرب ومن مر عليها من غيرهم ، وتسمى حاليًا (رابغ) ، وقرن المنازل ، وهي لأهل نجد ومن مر عليها من غيرهم ، وتسمى حاليًا (وادي محرم) وتسمى أيضًا (السيل) ، وذات عرق ، لأهل العراق وخراسان ومن مر عليها من غيرهم ، وتسمى (الضريبة) ، ويلملم لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم.
وقرر أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات إليهم من هذه المواقيت الخمسة ، جوًا أو بحرًا، فإن اشتبه عليهم ذلك ، ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة : وجب عليهم أن يحتاطوا ، وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون ، أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ، ومنعقد، ومع التحري والاحتياط خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام : فتزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب.
وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت للحُجاج والعُمار.
واحتجوا أيضًا بما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما قال له أهل العراق: إن قرنا جَوْر عن طريقنا؛ قال لهم رضي الله عنه: انظروا حَذْوها من طريقكم.
قالوا: ولأن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات.
إذا علم هذا : فليس للحجاج والعمار الوافدين من طريق الجو والبحر ، ولا غيرهم ، أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة؛ لأن جدة ليست من المواقيت التي وقتها رسول صلى الله عليه وسلم...
ثانيًا: يكلف المجلس الأمانة العامة للرابطة بالكتابة إلى شركات الطيران والبواخر ، بتنبيه الركاب قبل القرب من الميقات ، بأنهم سيمرون على الميقات قبل مسافة ممكنة.
ثالثًا: خالف عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي معالي الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء في ذلك، كما خالف فضيلة الشيخ أبو بكر محمود جومي عضو المجلس بالنسبة للقادمين من سواكن إلى جدة فقط.
وعلى هذا جرى التوقيع والله ولي التوفيق" انتهى من "مجلة المجمع الفقهي" (3/ 1613).
وينظر: أدلة الأقوال الأخرى في بحث الدكتور الغفيلي تحت هذا الرابط:
http://bit.ly/2HA9krk
والله أعلم.
تعليق