الحمد لله.
نذر الطاعة يلزم الوفاء به.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ رواه البخاري (6696).
والصيام الذي يوجبه الشخص على نفسه بالنذر، يكون كالصيام الواجب بالشرع.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وقد علم أن الواجب بالنذر يحتذى به حذو الواجب بالشرع " انتهى من"اعلام الموقعين" (5 / 142).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" والصحيح: أن حكمه – أي: صوم النذر - حكم الواجب بأصل الشرع، وهو أحد القولين في المذهب، وهو الموافق لقاعدة المذهب.
فإن القاعدة: أن الواجب بالنذر، أنه يحذى به حذو الواجب بأصل الشرع. فنهاية الأمر يلحق به إلحاقا " انتهى من "إرشاد أولى البصائر" (ص 144).
والصوم الواجب بالشرع - صوم رمضان - إذا عجز عنه المسلم عجزا دائما، فإنه مأمور أن ينتقل إلى بدله وهو الإطعام؛ حيث يطعم مسكينا عن كل يوم، وقد سبق تفصيل هذا في الجواب رقم :(49944).
فكذا في صوم النذر إذا عجز عنه الناذر عجزا دائما لكبر أو مرض مزمن، انتقل إلى الفدية فيطعم عن كل يوم مسكينا.
قال الرافعي الشافعي رحمه الله تعالى:
" الشيخ الهرم الذى لا يطيق الصوم، أو يلحقه مشقة شديدة فلا صوم عليه.
وفى الفدية قولان...
وأصحهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أنها تجب، ويروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وقرأ ابن عباس: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، ومعناه: يُكلفون الصوم، فلا يطيقونه.
والقولان جاريان في المريض الذى لا يرجي برؤه.
وحكم صوم الكفارة، والنذر: حكم صوم رمضان " انتهى من "فتح العزيز" (6 / 458).
والقول بأن من عجز عن صيام النذر، يكفيه عن ذلك إطعام مسكين عن كل يوم، هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، اختارها غير واحد من الحنابلة.
قال البهاء ابن أبي عمر، رحمه الله ، في "الشرح الكبير" (28/228):
" وإن كان صياما. فعن أحمد روايتان؛ إحداهما، يلزمه لكل يوم إطعام مسكين. قال القاضي: وهذا أصح؛ لأنه صوم وجد سبب إيجابه عينا، فإذا عجز عنه، لزمه أن يطعم عن كل يوم مسكينا، كصوم رمضان، ولأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى، ولو عجز عن الصوم المشروع، أطعم عن كل يوم مسكينا، كذلك إذا عجز عن الصوم المنذور." انتهى.
وقال المرداوي، رحمه الله – (28/226-228):
" قوله: وإنْ نَذَرَ صِيامًا، فعَجَزَ عنه لكِبَر أو مَرَض لا يُرْجَى بُرْؤه، أطْعَمَ عنه لكل يوم مسكينا. يعني، يطعم ولا يكفر. وهذا إحدى الروايات.
ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه. وذكره ابن عقيل رواية كغير الصوم. قال في الحاوي: وهو أصح عندي. ومال إليه المصنف، والشارح. وجزم به في الوجيز. وأطلقهما في المحرر.
وعنه: أنه يطعم لكل يوم مسكينا ويكفر كفارة يمين. وهو المذهب. نص عليه " انتهى.
وبهذا القول – أنه يطعم عن كل يوم مسكينا، ولا شيء عليه بعد ذلك - : أفتى الشيخ عبد ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، رحمهما الله .
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" والدتي نذرت أن تصوم يومين من كل شهر لله إن اهتدى أخي إلى طريق الحق والصواب، وقد هدى الله أخي إلى طريق الصواب، وبدأت والدتي في صوم ما عليها من نذرها، ولكن المشكلة أن والدتي لا تستطيع الصوم إلا بمشقة؛ لأنها دائمًا تشكو من وجع الرأس والصداع، وهي تريد الآن أن تسأل: هل يجوز لها أن تكفر عن نذرها بكفارة اليمين؟
فأجاب:
.... فإذا كبر السن وكبرت سنها وعجزت، أطعمت مسكينًا...، كما يطعم من عجز عن صوم رمضان لكبر سنه عن كل يوم مسكينًا، هكذا هذه الناذرة؛ إذا عجزت: تطعم عن كل يوم مسكينًا، بعد كبر سنها " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
https://binbaz.org.sa/fatwas/13149/
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" امرأة نذرت أن تصوم شهر رجب من كل سنة، إن شفى الله ولدها من الحادث، وعجزت فما الحكم؟
فأجاب: إذا كانت نذرت شهر رجب، لأنه الشهر الموالي لحصول الحادث لا لعينه فإنها تصومه، فإن عجزت عجزا لا يرجى زواله، فإن النذر الواجب، يحذى به حذو الواجب بأصل الشرع، فتطعم عن كل يوم مسكينا " انتهى. " مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين " (20 / 50).
فالحاصل؛ إذا عجزت هذه المرأة عجزا دائما عن الاستمرار في صيام نذرها أطعمت عن كل يوم مسكينا ، وذلك كل عام.
وصفة الإطعام سبق بيانها في الجواب رقم : (49944).
والله أعلم.
تعليق