الحمد لله.
أولا :
حكم تزيين المساجد وزخرفتها
تزيين المساجد وزخرفتها منهي عنه ولا يجوز، وقد سبق بيان ذلك في جواب سؤال: (حكم تزيين المساجد وحكم كتابة الأدعية والآيات على جدرانها) ، وسؤال:(زخرفة المساجد والإسراف في بناء المآذن والقباب) .
لكن ما ذكرته من السماعات الصافية والتكييف والبخور .. كل ذلك ليس من تزيين المساجد ، بل هي أمور مطلوبة مشروعة ، وإنما ينهى عن المبالغة في هذه الأشياء ، وإنفاق الأموال الطائلة في أشياء لا تعود بفائدة على المصلين .
أما السماعات، فلا تخفى الحاجة إليها، في إعانة الإمام على قراءته، وسماع الناس لصوته، وتحسين الصوت بالقرآن، مقصد شرعي مطلوب، ولا سيما في الصلاة.
وأما المكيفات: فدفع التأذي بالحر والبرد: مما يعين المصلي على الحضور في الصلاة، وعدم الملل والضجر من الاجتماع فيها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبرد بصلاة الظهر، فيؤخرها عن أول وقتها، في شدة الحر، لدفع أذى الناس بالحر.
وينظر للفائدة حول ذلك، جواب سؤال: (شروط الإبراد في صلاة الظهر ) .
ثانيا :
حكم تنظيف المساجد وتبخيرها
وأما تنظيف المساجد، وتبخيرها، بما يمكن الناس، ويناسب أحوالهم، من غير كبير سرف: فله أصل صحيح معتبر أيضا؛ فعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ" .
قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" : "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَ إرْسَالَهُ."انتهى.
قال ابن رسلان رحمه الله: "(وَأَنْ تُنَظَّفَ) .. مَعْنَاهُ: تطهر، كما في روَاية ابن مَاجَه ؛ يَعني تنظف مِنَ الوَسَخ والدنس ، واختلاف اللغتَين يَدُل عَلى أن الطهَارة والنظافة بِمعنى واحِد كما تقول الفقهاء، وعَلى هذا فَتُحمل روَاية ابن مَاجَه على الطهَارة اللغَوية والشرعية.
(وتُطَيَّبَ) أي: بطيب الرجَال، وهوَ مَا خفي لونه وظهرَ ريحهُ، فإن اللون رُبما شغل نظرَ المُصَلي، والأولى في تطييب المسَاجِد مَوَاضِع المُصَلين، ومَوَاضِع سُجودهِمْ أولى.
وَيجوز أن يحمل التطييب، على التجمير [ أي: البخور ] في المَسْجد، فَقَد ذكر الحَافظ عَبد الغَني المقدسي ،وَرَوَاهُ أبو يَعلى عَن ابن عُمَر : أن عُمرَ - رضي الله عنه - جَعَل نُعيم بن عبَد الله عَلى إجمَار المَسْجد. أي: تبخيره ، ولهذا سُمي نعيم المُجْمِر.." انتهى من "شرح سنن أبي داود" (3/276).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وأن تنظف وتطيب: تنظف من الأذى, وأعظمه النجاسة والقذر.
(وتطيب): يحتمل أن المراد بالتطهير: وضع الطيب فيها إما بالبخور, أو بالأدهان أو ما أشبه ذلك, ويحتمل أن يراد بالتطيب: إزالة آثار التنظيف, كقول عائشة رضي الله عنها في السواك الذي دخل به أخوها على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتضر قالت: فقضمته وطيبته. أي: جعلته طيبًا يمكن التسوك به.
والمعنيان: كلاهما صحيح, فإن تطييب المساجد بهذا وهذا من الأمور المطلوبة " انتهى من "شرح بلوغ المرام" (1/595).
وينظر للفائدة: جواب سؤال: (فضل تنظيف المسجد) .
وأما وضع السجاد في المساجد: فلا حرج فيه، بل لا تخفى الحاجة إليه، لا سيما إذا كانت أرض المسجد مبلطة صلبة، كما هو المعتاد في بناء الناس اليوم، فالصلاة على السجاد أرفق بالمصلين، وأعون لهم على الجلوس والسجود.
لكن ينبغي أن يراعى فيه حال الناس، ويقتصد في نفقته قدر الطاقة، بحسب حال الناس من يسارهم وإعسارهم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه المساجد، فقال: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى"، فهل المقصود بالزخرفة الصور والتماثيل، وإذا حدث أن زخرفت بالصور، فهل تجوز الصلاة فيها؟
فأجاب : "هذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه من قوله.
وإذا كان كذلك فإن الزخرفة يراد بها الزخرفة المشابهة لزخرفة اليهود والنصارى.
وأما الزخرفة التي لا تشغل المصلي، وإنما تعطي المسجد زيادة في الراحة والبرودة في الصيف والدفء في الشتاء، فهذه لا بأس بها.
ولكن يجب أن لا يبالغ في ذلك كما يفعل بعض الناس الآن؛ تجده يجعل على المحراب من الزخارف والنقوش ما يشغل المصلي أو يكون له ثمن باهظ. وأما الصور فلا يجوز إطلاقًا أن تجعل في المساجد صورة، لا صورة آدمي ولا صورة حيوان" انتهى .
والله أعلم .
تعليق