الحمد لله.
أولا:
القول بأن دعاء فلان لا يصل إلى السقف، يراد به أنه لا يقبل ولا يجاب.
وكذلك لو قيل: دعاء لا يسمع، فإن المعنى أنه لا يجاب، وليس هذا نفيا لسمع الله، فإن السمع الثابت لله نوعان: سمع الأصوات، وسمع الإجابة.
وقد روى أحمد (8488) ، وأبو داود (1548) ، والنسائي (5467) ، وابن ماجه (250) عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: كَانَ رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ، مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ .
ورواه الترمذي (3482) وغيره من حديث عبد الله بن عمرو.
وروى مسلم (2722) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: " لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والسمع الذي أثبته الله لنفسه نوعان: سمع إدراك المسموع، وسمع إجابة المسموع.
وهناك فرق بين الإدراك وبين الإجابة، قال الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ الأنفال/21 ، (سَمِعْنَا)، أي: سمع إدراك، وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي سمع استجابة، في قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك المجادلة/1 هنا سمع إدراك، وفي قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ إبراهيم: الآية 39)، أي سمع استجابة، وفي قول المصلي: سمع الله لمن حمده. سمع الأمرين جميعاً، يعني يسمع ويجيب من حمده بالإثابة.
إذاً فسمع الله ينقسم إلى قسمين؛ سمع إدراك وسمع استجابة" انتهى من "شرح السفارينية" ص 185
وقد يُحجب الدعاء ولا يصل إلى الله، كما روى الترمذي (486) عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: " إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" (1474) عن علي بن أبي طالب، قال: " كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد، وعلى آل محمد صلى الله عليه وسلم " وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (4523) وأشار إلى رفعه.
ثانيا:
سواء كان مراد الناس بقولهم: دعاء فلان لا يصل السقف، أنه لا يرفع، أو يرفع ولا يجاب، فإن هذا محرم؛ لأنه تقول على الله بغير بعلم، وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ الأعراف/33.
وقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً الاسراء/36 .
ومن حلف على ذلك ، كان متأليا على الله، كما روى مسلم (2621) عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ .
قال النووي رحمه الله :" مَعْنَى يَتَأَلَّى: يَحْلِفُ، وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ " انتهى من"شرح النووي على مسلم" (16/ 174) .
ولكن لا حرج أن يقال على سبيل العموم: إن أكل الحرام ، أو بعض المحرمات : تمنع استجابة الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، وَقَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ رواه مسلم (1015) .
والله أعلم.
تعليق