الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم الاعتكاف في أكثر من مسجد حتى يتمكن من الصلاة خلف أكثر من قارئ لزيادة الهمة؟

السؤال

ما حكم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان في أكثر من مسجد ، مثال : ليلتان في مسجد ، وليلتان أخرتان في مسجد آخر ، وهكذا ، من باب التنويع بين المساجد ، والقارئ ، و زيادة الهمة بالمكان الجديد ؟

ملخص الجواب

يجوز الاعتكاف في أكثر من مسجد، والأولى الاعتكاف في مسجد واحد مع جواز الخروج منه إلى غيره بالاشتراط في أول الاعتكاف. مع التنبيه إلى أن من خرج من مسجده الذي بدأ فيه اعتكافه، ليعتكف في غيره، ليلة أو ليلتين، فقد فاته اعتكاف تمام العشر، على ما ثبت في السنة، وانقطع اعتكافه في مسجده الأول، بخروجه منه، ولم يبدأ اعتكافه في المسجد الثاني إلا بدخوله فيه، فعليا  وينظر تفصيل ذلك في الجواب المطول

الحمد لله.

أولا:

حكم الاعتكاف في أكثر من مسجد

يجوز للإنسان أن يعتكف ليلتين في مسجد، ثم ليلتين في مسجد آخر وهكذا؛ لأن الاعتكاف يصح بليلة، بل بساعة أو لحظة عند بعض العلماء.

قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/514): "وَأَمَّا أَقَلُّ الاعْتِكَافِ: فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ." انتهى باختصار. 

وينظر جواب سؤال: أقل زمن للاعتكاف

غير أن من فعل ذلك، وتنقل بين المساجد في اعتكافه، يكون فاته تمام السنة الواردة في الاعتكاف، فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف: أن يعتكف المدة بكاملها، متصلة، لا يفصل بينها بشيء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ من المحافظة على لزوم المسجد، وعدم الخروج منه، شيئا عظيما، إلا لأمر لا بد له منه؛ حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

"إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ البَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا." رواه البخاري (2029)، ومسلم (297). 

فأين هذا الهدي، من التنقل من مسجد إلى مسجد، أو اعتكاف ليلة هنا، وليلة هناك؟!

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (49007)، ورقم: (12658) .

ثانيا:

خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه

هدي النبي صلى الله عليه وسلم: اعتكاف العشر الأواخر متصلة، فمن أراد تحقيق السنة اعتكف في مسجد واحد العشر كلها.

لكن له أن يشترط الخروج لصلاة التراويح في مسجد آخر، للهدف المذكور وهو تنشيط الهمة، وإن كان الأفضل له أن يبقى في مكانه، فإن الاعتكاف هو المكوث ولزوم المسجد تقربا إلى الله تعالى.

قال في زاد المستقنع: "وَلاَ يَخْرُجُ المُعْتَكِفُ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَلاَ يَعُودُ مَرِيضاً، وَلاَ يَشْهَدُ جَنَازَةً إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه (6/ 523): "وعلم من قوله: إلا أن يشترطه جواز اشتراط ذلك في ابتداء الاعتكاف، فإذا نوى الدخول في الاعتكاف، قال: أستثني يا رب عيادة المريض أو شهود الجنازة.

ولكن هذا لا ينبغي، والمحافظة على الاعتكاف أولى، إلا إذا كان المريض أو من يتوقع موته، له حق عليه، فهنا الاشتراط أولى، بأن كان المريض من أقاربه الذين يعتبر عدم عيادتهم قطيعة رحم، فهنا يستثني، وكذلك شهود الجنازة" انتهى.

وكذلك، لا بأس باشتراط الخروج لقربة من القرب، أو لأمر مباح له منه بد.

قال في "مطالب أولي النهى" (2/ 242): "(وله)، أي: المعتكف عند ابتداء نذر اعتكافه (شرط الخروج إلى ما لا يلزمه) خروجه إليه (من ذلك) أي: الجمعة والشهادة والمريض والجنازة، (ولكل قربة لم تتعين) عليه (كزيارة) صديق وصلة رحم (وغسل ميت، أو ما له عنه غنى، وليس بقربة ك) شرط (عشاء ومبيت بمنزله)، لأنه يجب بعقده كالوقف، ولأنه يصير كأنه نذر الزمن الذي أقامه فقط، ولتأكد الحاجة إلى العشاء والمبيت، وامتناع النيابة فيها" انتهى.

والحاصل أنه يجوز الاعتكاف في أكثر من مسجد، والأولى الاعتكاف في مسجد واحد مع جواز الخروج منه إلى غيره بالاشتراط في أول الاعتكاف.

مع التنبيه إلى أن من خرج من مسجده الذي بدأ فيه اعتكافه، ليعتكف في غيره، ليلة أو ليلتين، فقد فاته اعتكاف تمام العشر، على ما ثبت في السنة، وانقطع اعتكافه في مسجده الأول، بخروجه منه، ولم يبدأ اعتكافه في المسجد الثاني إلا بدخوله فيه، فعليا، والوقت بينهما: خال من الاعتكاف!!

فلينظر العبد ما فاته من ذلك، وما فاته من تمام الهدي، لأجل ما طلب من الهمة، ولعله لا يجدها في مسجده الثاني، كما وجدها في مسجده الأول. 

ثم شتات القلب بالنقلة من مكان إلى مكان، حتى يستقر، ويجتمع عليه قلبه في مكانه الثاني. 

فالذي يظهر، على كل حال: أن ما فاته من الخير والفضل، بهذه التنقلات، أعظم مما يطلبه بها، هذا إن وجد ما طلبه؛ فكيف إذا فاته ذلك. 

وإنما يبنغي عليه أن يتحرى أوفق المساجد له، وأنسبها لنفسه، فيجعل اعتكافه فيها، ثم إن شاء، غير المسجد، في عامه القابل، واعتكف في غيره. 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب