الحمد لله.
أولا:
ينبغي للمسلم أن يعلم أن الحزن -وإن كان على الأمور الدينية - فهو غير مفيد ولا مأمور به في الشرع؛ بل هو مضر بالمسلم؛ حيث يُخمد النشاط ، ويُضعف العزيمة على القيام بالأعمال النافعة؛ ويجعل الشخص سهل الإثارة والغضب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأما " الحزن " فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع ، وإن تعلق بأمر الدين، كقوله تعالى: ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ... وقوله: ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )، وأمثال ذلك كثير.
وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به...
وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ، ويحمد عليه ، فيكون محمودا من تلك الجهة ، لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر...
وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به ، كان مذموما عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودا من جهة أخرى " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 16 - 17).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" منزلة الحزن؛ وليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت "الحزن" في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا...
وسر ذلك، أن الحزن مَوْقِف غير مَسير، ولا مصلحةَ فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه " انتهى من "مدارج السالكين" (2 / 1285).
ولدفع هذا الحزن عليك أن تتوكل على الله تعالى، وينبغي أن تقلع عن التفكر في عاقبة ولدك من بعدك ، ونسأل الله تعالى أن تكون على خير ما ترجو، بل تحسن الظن بالله تعالى؛ فإن كنت لابد فاعلا، فليكن ذلك بالاجتهاد في صلاح ولدك، وصلاح أمرك أنت ، وتقوى الله في السر والعلن، واستخلاف الله جل جلاله فيهم؛ فإن ذلك من أعظم أسباب حفظ الذرية .
قال الله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا النساء/9 .
وكذا حسن الظن بالله تعالى؛ بأن ترجو أن يكون هذا البلاء فيه خير لك ولولدك.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ رواه البخاري(5641)، ومسلم (2573).
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ رواه الترمذي (2398) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
وينبغي استحضار أن هذه الدنيا فانية وستمضي على كل حال بحلوها ومرها؛ وأن هذه الدنيا دار اختبار فقط؛ فلا يحزن المسلم على ما فاته من نعيمها؛ وليحتسب الأجر عند الله تعالى.
ثم عليك أن توجه فكرك إلى ما عليك عمله لإفادة ولدك.
ثانيا:
التكليف الشرعي مبناه على وجود العقل، وراجع للأهمية جواب السؤال رقم : (193006)، ورقم : (214189).
كما أن المسلم يعذر بعدم قدرته على التحكم في تصرفاته، ولذا يعذر من انغلق تفكيره؛ بسبب حالته النفسية من شدة غضب أو حزن أو فرح.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" والغلط والنسيان والسهو وسبق اللسان بما لا يريده العبد ، بل يريد خلافه ، والتكلم به مكرها ، وغير عارف لمقتضاه : من لوازم البشرية ، لا يكاد ينفك الإنسان من شيء منه؛ فلو رتب عليه الحكم ، لحرجت الأمة ، وأصابها غاية التعب والمشقة؛ فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر كما تقدمت شواهده، وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه ، والجهل بالمعنى ، وسبق اللسان بما لم يرده ، والتكلم في الإغلاق ولغو اليمين؛ فهذه عشرة أشياء لا يؤاخِذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها؛ لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به.
وأما الخطأ من شدة الغضب ، فكما في قوله تعالى: ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) . قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حال الغضب، لو أجابه الله تعالى لأهلك الداعي ومن دعا عليه، فقضي إليهم أجلهم.
وقد قال جماعة من الأئمة: الإغلاق الذي منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من وقوع الطلاق والعتاق فيه : هو الغضب. وهذا كما قالوه؛ فإن للغضب سكرا كسكر الخمر أو أشد ...
وأما الإغلاق فقد نص عليه صاحب الشرع، والواجب حمل كلامه فيه على عمومه اللفظي والمعنوي؛ فكل من أغلق عليه باب قصده وعلمه ، كالمجنون والسكران والمكره والغضبان ؛ فقد تكلم في الإغلاق، ومن فسره بالجنون أو بالسكر أو بالغضب أو بالإكراه ، فإنما قصد التمثيل لا التخصيص، ولو قدر أن اللفظ يختص بنوع من هذه الأنواع لوجب تعميم الحكم بعموم العلة؛ فإن الحكم إذا ثبت لعلة ، تعدى بتعديها ، وانتفى بانتفائها " انتهى من "أعلام الموقعين" (4 / 515 - 517).
"
وولدك الذي حاله ما ذكرت هو في الأصل لا يخرج عن هذين الحالين؛ إما أن يكون فاقدا للتمييز، أو لا يكون قادرا على التحكم في تصرفاته بسبب حالته النفسية، ومَن هذه حاله ، فهو معذور عند الله تعالى إن كان بالغا؛ فكيف وهو صبي؟
ومن عذره الله تعالى علينا أن نعذره؛ أي لا تنظر إلى حال ابنك على أنه مشكلة شرعية، بل هي حال تحتاج إلى هدوء نفس ، وتفهم ، وحسن تقبل واستيعاب ، ومعاملة له برفق ولين ، كما عامل النبي صلى الله عليه وسلم المعذور بالجهل مثلا.
عن أَبي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ رواه البخاري (6128).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ. فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي! مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ! مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِرواه مسلم (537).
وكذا تصرفه صلى الله عليه وسلم مع من لم يبلغوا بعد، ولم يكلفوا.
قَالَ أَنَسٌ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ! أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ اللهِ " رواه مسلم (2310).
فالحاصل؛ أننا نقدر ما أنت فيه من الرحمة لابنك، ورقة القلب له، لكن على ألا تبالغ في ذلك، أو يصيبك الحزن والهم المقعد عما عليك أن تفعله تجاهه ، وعن عبوديتك الله في الصبر على ما قضى وقدر، والرضا بتدبير الله لك ولولدك، وبذل الجهد في القيام بأمره ، وإصلاح شأنه.
كما ينبغي التنبه؛ إلى أن حال هذا الولد لا يبرر إهمال حال البنت؛ فلها عليكم حق تربيتها وإرشادها ونصحها؛ فيجب العدل في المعاملة بإعطاء كل ذي حق حقه.
قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ النحل/90 .
فلتعط كل ذي حق حقه ، ولتسدد ، وتقارب ؛ واسأل الله من فضله ، واستعن به على ما ينزل بك من أمرك .
يسر الله لك أمرك، وأصلح لك زوجك وذريتك ، وجعل لك من أمركم يسرا .
والله أعلم.
تعليق