الحمد لله.
أولا:
المبيع على نوعين:
الأول: ما يمنع التأخير في تسليمه ويلزم القبض الفوري في بيعه ، وهو الذهب والفضة والنقود، إذا اشتري أحدها بذهب أو فضة أو نقود، وكذا كل سلعة اشتريت بسلعة يجري بينهما الربا، كالقمح بالقمح أو بالشعير، أو الأرز بالأرز أو بالقمح، وكالتمر بالتمر.
وعلة الربا – على الراجح- هي الثمنية في الذهب والفضة والنقود.
وهي الطعام مع الكيل أو الوزن، في غير الذهب والفضة.
والأصل في ذلك: قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ رواه مسلم (1587).
الثاني: ما يجوز الأجل في بيعه، بشرط أن يكون الثمن حاضرا كاملا في مجلس العقد، وهو ما عدا ما تقدم ، ويسمى عقد السلم، كأن تشتري حديدا أو ثيابا أو قمحا أو أرزا، بنقود حاضرة تسلم في مجلس العقد، ويحدد لتسليم السلعة أجل معين؛ قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ رواه البخاري (2240) ، ومسلم (1604).
وقد يتم التعاقد على سلعة مؤجلة يراد استصناعها ، فيجوز ذلك ، ولا حرج لو كان الثمن مؤجلا، أو كان بعضه مؤجلا. وينظر: جواب السؤال رقم : (2146) .
وهذه الحالة الوحيدة التي يجوز فيها تأجيل الثمن والسلعة ، والأصل منع تأجيل البدلين، ويسمى بيع الكالئ بالكالئ.
والحاصل : أنه إذا روعيت شروط السلم والاستصناع، فلا حرج حينئذ في تأجيل تسليم السلعة.
وينظر: جواب السؤال رقم : (273116) .
ثانيا:
إذا تم البيع على سلعة معينة حاضرة-غير ربوية- أو على سلعة غائبة موصوفة، وموجودة عند البائع-ويسمى هذا السلم الحال-، فلا حرج في ذلك، ولا يضر لو تأخر البائع في تسليمها، سواء باتفاق أو بغير اتفاق.
ويجوز أن يتفق المتبايعان على تأخير السلعة مدة ينتفع البائع فيها بها، كأن يبيع دارا ويشترط الانتفاع بها مدة سنة، وهو مذهب المالكية والحنابلة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (31/ 7): " اختلف الفقهاء في صحة اشتراط تأجيل تسليم (العين) ، إلى المنقول إليه ملكيتها ، مدة معلومة للانتفاع بها ؛ على رأيين:
الأول: يرى المالكية والحنابلة ، وهو رأي مرجوح في مذهب الشافعية: أنه يجوز أن يشترط تأجيل تسليم العين إلى المدة التي يحددها المتعاقدان، وأن يكون المنتفِع بها هو الناقل للملكية، وهذا الرأي منقول عن الأوزاعي، وابن شبرمة، وإسحاق، وأبي ثور.
ومن أمثلته: إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا، ثم يسلمها إليه، أو أرضا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرا، أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا.
واستدل لهذا الرأي بأن عموم الآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بالعقود. قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. . . ، وقال تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ، وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما) .
فالآيات والأحاديث تأمر بالوفاء بكل عقد وشرط لا يخالف كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبخصوص ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل قد أعيا، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم، فسار سيرا لم يسر مثله. فقال: بعنيه. فبعته واستثنيت حُمْلانه إلى أهلي. متفق عليه. فهذا الحديث يدل على جواز اشتراط تأجيل تسليم المبيع فترة ينتفع فيها البائع به، ثم يسلمه إلى المشتري.
ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثُّنْيا ، أي الاستثناء ، إلا أن تُعلم . وهذه معلومة.
وأكثر ما فيه : تأخير تسليم المبيع مدة معلومة، فصح.
الثاني: يرى الحنفية، وهو الراجح عند الشافعية، عدم صحة اشتراط تأجيل تسليم العين.
واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط.
وروي أن عبد الله بن مسعود اشترى جارية من امرأته زينب الثقفية، وشرطت عليه أنك إن بعتها فهي لي بالثمن. فاستفتى عمر رضي الله عنه، فقال " لا تقربها وفيها شرط لأحد" .
وروي أن عبد الله بن مسعود اشترى جارية واشترط خدمتها، فقال له عمر: لا تقربها وفيها مثنوية " انتهى.
والحاصل :
أنه لا حرج لو تأخر البائع في تسليم السلعة المعينة- غير الربوية- ، أو السلعة الموصوفة كالمبيعة عن طريق الإنترنت، سواء كان ذلك بشرط أو بدونه.
والله أعلم.
تعليق