السبت 8 جمادى الأولى 1446 - 9 نوفمبر 2024
العربية

حكم تكرار الاستخارة قبل حدوث الشيء و بعد الاطمئنان له

317196

تاريخ النشر : 02-01-2020

المشاهدات : 93357

السؤال

لى صديقة تقدم لها شخص، واستخارت الله هل هو خير لها أم لا، وتمت الخطبة بفضل الله، وهى مطمئنة لهذا القرار، ولكنها ما زالت تستخير الله، هل هو خير لها أم لا، فقيل لها: لماذا تستخيرين، وأنت قد اطمئننت للأمر؟! وقرأت أن الاستخارة تكون حتى يطمئن لها الأمر، وأنا لم اقف على دليل، إنما هو اجتهاد علماء، فعندها توقفت عن الاستخارة ظنا منها أنها إن كررتها فقد فعلت شيئا مخالفا للشرع، ولكنى قلت لها: إن الزواج لم يتم، حتى لو حدث طمأنينة؛ لأن الأمر هو الزواج، وليس الخطبة، والخطبة خطوة من الخطوات، ولم يقل أحد بأنه لا يجوز تكرار الاستخارة بعد الطمأنينة، ولا تعلمى ما الذى يستجد فى الأمر. سؤالى: هل تتوقف عن الاستخارة طالما هي مطمئنة للخطبة ولم يتم الزواج بعد ؟ أم تكرر الاستخارة كما كانت تفعل طالما لم يتم الأمر؛ لأنه ربما يتجدد فى الأمر شيء؟ يعنى هل تكرار الاستخارة بعد الطمأنينة طالما لم يتم الأمر لا يجوز؟

الجواب

الحمد لله.

نص كثير من أهل العلم على جواز تكرار صلاة الاستخارة ما دام الأمر لم يتم، ولم يعزم المستخير على أحد الأمرين .

قال بدر الدين العيني رحمه الله : " فإن قلت : هل يستحب تكرار الاستخارة في الأمر الواحد إذا لم يظهر له وجه الصواب في الفعل أو الترك ما لم ينشرح صدره لما يفعل. قلت : بلى، يستحب تكرار الصلاة والدعاء لذلك" انتهى من "عمدة القارئ" (7/235) .

وقال علي القاري رحمه الله : " ويمضي بعد الاستخارة لما ينشرح له صدره انشراحا خاليا عن هوى النفس، فإن لم ينشرح لشيء فالذي يظهر أن يكرر الصلاة حتى يظهر له الخير" انتهى من "مرقاة المفاتيح" (3/406).

وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (3 / 246):

" قال الحنفية، والمالكية، والشافعية: ينبغي أن يكرر المستخير الاستخارة بالصلاة والدعاء سبع مرات؛ لما روى ابن السني عن أنس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه.

ويؤخذ من أقوال الفقهاء أن تكرار الاستخارة يكون عند عدم ظهور شيء للمستخير، فإذا ظهر له ما ينشرح به صدره لم يكن هناك ما يدعو إلى التكرار. وصرح الشافعية بأنه إذا لم يظهر له شيء بعد السابعة استخار أكثر من ذلك" انتهى.

وحديث أنس هذا رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (598) وهو حديث ضعيف جدا .

وينظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للشيخ الألباني (14 / 952).

واستدل بعض العلماء على مشروعية تكرار الاستخارة بورود ذلك عن بعض الصحابة كعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وغيره ، فروى مسلم (1333) عنه أنه قال عند همّه بتجديد بناء الكعبة: ( إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمْرِي ) .

واستدلوا أيضا بأن صلاة استخارة دعاء، والدعاء يشرع فيه الإلحاح والتكرار.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:   إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ: اللهُمَّ ! اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ رواه البخاري (6339)، ومسلم (2679) واللفظ له.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ومعنى قوله ( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ ) أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه " انتهى، من " فتح الباري " (11 / 140).

قال الشوكاني رحمه الله تعالى:

" وهل يستحب تكرار الصلاة والدعاء ؟ قال العراقي: الظاهر الاستحباب...

نعم ؛ قد يستدل للتكرار: ( بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا دعا ثلاثا ) للحديث الصحيح.

وهذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد، فالدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له كالاستسقاء " انتهى من "نيل الأوطار" (5 / 246 - 247).

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل تشرع صلاة الاستخارة مكررة أم تكفي مرة واحدة؟

فأجاب :" تشرع مكررة ، حتى يطمئن قلبه ، وينشرح صدره لما يريد، ويستشير إخوانه الثقات المعروفين الذين يعتقد فيهم الخير، وأنهم يحبون له الخير يستشيرهم بعد الصلاة، يصلي ركعتين ويستخير ربه بما جاء في حديث جابر -والحديث معروف موجود في رياض الصالحين وغيره- ثم يستشير بعد الدعاء ، فإن انشرح صدره ، وإلا أعاد الصلاة ، وأعاد الاستشارة، وهكذا، مرتين ثلاث أربع أكثر ، حتى يحصل له الطمأنينة والانشراح ، في الزواج أو في شراء بيت أو في سفر إلى بلد أو في إقامة شركة ، أو ما أشبهها من الأمور التي تشتبه عليه، فيستخير الله فيها ويستشير إخوانه الطيبين ثم يعمل ما يطمئن إليه قلبه وينشرح له صدره بعد الاستخارة وبعد الاستشارة" انتهى .

http://bit.ly/3aQz2Vi

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (4/162) :

" ثم بعد ذلك الدعاء : إن انشرح صدره بأحد الأمرين ، بالأقدام أو الإحجام : فهذا المطلوب ، يأخذ بما ينشرح به صدره .

فإن لم ينشرح صدره لشيء وبقى مترددا ، أعاد الاستخارة مرة ثانية وثالثة ، ثم بعد ذلك المشورة ، إذا لم يتبين له شيء بعد الاستخارة ، فإنه يشاور أهل الرأي والصلاح ...

وإنما قلنا: إنه يستخير ثلاث مرات ، لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا ، والاستخارة دعاء ، وقد لا يتبين للإنسان خير الأمرين من أول مرة ، بل قد يتبين في أول مرة ، أو في الثانية ، أو في الثالثة ، وإذا لم يتبين فليستشر" انتهى .

فالحاصل : أنه لا بأس بتكرار الاستخارة ، ما دام المصلي مترددا ، ولم يستقر رأيه على شيء .

فإذا انشرح صدره لشيء ، أو عزم عليه ، فلا يكرر الاستخارة ، كما يؤخذ ذلك من كلام العلماء الذين نقل منهم آنفًا .

وفيما يتعلق بشأنك : فإنك يكفيك استخارة واحدة للخطبة والنكاح ، إذ إن الخطبة هي مقدمة للنكاح ، فهي وعد بالنكاح ، فمن استخارت للخطبة واستقر رأيها على إمضائها ، فإن هذه الاستخارة تكفيها عن الاستخارة للزواج . وما دامت الخطبة قد مضت، واطمأنت نفسك للقبول، فلا نرى أنه يشرع لك تكرار الاستخارة والحالة هذه، بل هذا التكرار إلى المفسدة أقرب منه إلى المصلحة والخير، لما يفتحه عليك من أبواب التردد ، والقلق، وإعادة التفكير والنظر في أمر مضى على الوجه .

وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ  آل عمران/159.

فتوكلي على الله ، يا أمة الله ، إن الله يحب المتوكلين، واسأليه الهدى والرشاد والسداد، والتوفيق، ودعي القلق، والحيرة والتردد .

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب