الحمد لله.
الكدرة أو الأوساخ التي تتصل بالحيض لها حكم الحيض.
وأما ما نزل بعد تحقق الطهر فليس بشيء؛ لقول أم عطية رضي الله عنها : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً " رواه أبو داود (307 ). وصححه الألباني في صحيح أبي داود
جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية" (18/295): " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ ، لأَنَّهُ الأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الإِمْكَانِ ، وَلأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ : فَتَقُولُ لَهُنَّ : لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ .
تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضِ . وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ : هُمَا شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الأوساخ التي جاءت بعد الطهارة ، وليست في وقت الحيض، فهذه لا يعمل بها ، ولا يلتفت إليها؛ لأن الكدرة والصفرة بعد الطهر لا تعد شيئا، لا تعد حيضا ، بل هي من جنس البول، على صاحبتها أن تستنجي وتتوضأ وضوء الصلاة، وتتحفظ منها كلما دخل الوقت .
أما إن كان هذا الوسخ جاء في أعقاب الحيض ، متصلا بالحيض ، أو في أول الحيض ، أو في وقت الحيض، فإنه يعتبر حيضا، فلا تصلي ولا تطوفي حتى تطهري " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (29/116) .
وعليه؛ فما نزل من الكدرة بعد يومي الدم، له حكم الحيض، وكذلك ما جاء بعد الأيام الثلاثة واستمر إلى اليوم الحادي عشر، فهذا كله حيض؛ ما دمتِ لم تريِ الطهر.
والطهر يتحقق برؤية القَصَّة البيضاء، أو بحصول الجفاف التام بحيث لو احتشت المرأة بقطنة ونحوها خرجت نظيفة ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة.
فإن استمرت الكدرة حتى جاوزت خمسة عشر يوما، فهذه استحاضة، فتغتسلين وتصلين وتصومين، ثم تعملين في الشهر التالي بالتمييز، لأنه ليست لك عادة سابقة منضبطة.
فدم الحيض أسود (غامق) ثخين، ذو رائحة كريهة، يصحبه عادة تألم . ودم الاستحاضة فاتح رقيق.
وعلى ذلك، يكون زمن الحيض، هو أيام الدم الأسود الثخين ، وما عداه استحاضة .
وقد دل على الرجوع للتمييز : ما رواه النسائي (215)، وأبو داود (304) عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
فإن اختلط عليك الدم ولم تميزي، فإنك تمتنعين عن الصلاة ستة أيام أو سبعة أيام ، حسب الغالب في عادة قريباتك ، ثم تغتسلين وتصلين وتصومين؛ لما رواه الترمذي (128)، وأبو داود (287)، والنسائي، وابن ماجه (627) عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ : " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً ، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا ، قَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ ؟
قَالَ : أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ .
قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ : فَتَلَجَّمِي .
قَالَتْ : هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ : فَاتَّخِذِي ثَوْبًا .
قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ ، أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ ؛ فَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، ثُمَّ اغْتَسِلِي. فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ ، فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، فِي كُلِّ شَهْرٍ، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ .
قَالَ أَبُو عِيسَى (الترمذي) : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ... وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا (البخاري) عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ؟ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
ومعنى قوله (ركضة من الشيطان) : الركض الضرب ، وفسره بعض العلماء بأن المقصود : الإضرار بها والإيذاء ، لأن الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها، وطهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته انتهى من "تحفة الأحوذي شرح الترمذي".
والله أعلم.
تعليق