الحمد لله.
هذه الحديث الوارد في السؤال ليس له أصل ، ولم نقف عليه مطلقا بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث والأثر .
وقد عزاه بعض الكتاب المعاصرين لأبي داود ، وهو خطأ محض ، فلا أثر له في أي كتاب من كتب السنة المسندة ، ولا غير المسندة .
وإنما رُوي أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، من طريقين ، أحدهما صحيح ، فيه بعض المعنى الذي ورد في الحديث الوارد في السؤال .
الطريق الأول :
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (9118) ، والفاكهي في "أخبار مكة" (1110) ، من طريق سفيان بن عيينة ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
" خَيْرُ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ ذِي مَكَّةُ، وَوَادٍ فِي الْهِنْدِ هَبَطَ بِهِ آدَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيهِ هَذَا الطِّيبُ الَّذِي تَطَّيَّبُونَ بِهِ.
وشَرُّ وَادِيَيْنِ فِي النَّاسِ: وَادِي الْأَحْقَافِ، وَوَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ: بَرَهَوْتُ.
وَخَيْرُ بِئْرٍ فِي النَّاسِ زَمْزَمُ .
وَشَرُّ بِئْرٍ فِي النَّاسِ بَلَهَوْتُ، وَهِيَ بِئْرٌ فِي بَرَهَوْتَ تَجْتَمِعُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ" .
وإسناده صحيح .
الطريق الثاني :
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3995) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (179) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (7/438) ، من طريق حجاج بن منهال ، قال ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:" أَطْيَبُ رِيحٍ فِي الْأَرْضِ الْهِنْدُ ، أُهْبِطَ بِهَا آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَعَلَقَ شَجَرُهَا مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ ".
وأخرجه الطبري في "تاريخه" (1/121) ، من طريق حجاج ، والفاكهي في "أخبار مكة" (1111) ، من طريق عمرو بن عاصم ، وابن عبد البر في "التمهيد" (6/33) ، من طريق موسى بن إسماعيل، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ يوسف ابن مِهْرَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ به .
ومما سبق يظهر أنه اختلف فيه على حماد بن سلمة ، فرواه مرة عن حميد عن يوسف بن مهران ، ومرة عن علي بن زيد بن جدعان ، وهو الراجح لما يلي :
أولا : أنها رواية الجماعة عنه ، ويمكن أن يكون من تخليط حماد نفسه ، فإنه اختلط كما هو معلوم.
ثانيا : نص أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (9/229)، وابن معين كما في "تاريخ ابن معين – رواية الدوري" (4614) ، وأبو داود كما في "تهذيب الكمال" (32/463) ، على أن يوسف بن مهران لم يرو عنه غير علي بن زيد بن جدعان .
والأثر ضعيف ، لأجل علي بن زيد بن جدعان ، فإنه ضعيف الحديث عند جماهير المحدثين .
قال ابن حبان في "المجروحين" (2/103) :" كَانَ شَيخا جَلِيلًا ، وَكَانَ يهم فِي الْأَخْبَار ويخطئ فِي الْآثَار ، حَتَّى كثر ذَلِك فِي أخباره ، وَتبين فِيهَا الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير ، فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ ". انتهى.
وخلاصة الأمر : أن هذا الحديث الوارد في السؤال لا أصل له باللفظ المذكور .
وإنما صح من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن هبوط آدم كان بالهند ، حيث يؤتى منه بالرائحة الطيبة المشهورة .
وغير بعيد أن يكون علي رضي الله عنه قد تلقى ذلك من بعض أخبار أهل الكتاب، فهو بهم أشبه ، خاصة مع تعدد الروايات عن السلف ، واختلافها في ذلك .
وينظر أيضا للفائدة:
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=364064
والله أعلم.
تعليق