الحمد لله.
كون المسبح كثير الماء وبه مواد منظفة وفلاتر؛ كل هذا لا يبيح البول في مثل هذا المسبح؛ للآتي:
أولا:
قد ورد النهي عن البول في الماء الراكد الذي لا يجري.
عن أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ رواه البخاري (238)، ومسلم (282).
وعَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ " رواه مسلم (281).
ومياه المسابح في حكم الراكدة؛ لأنها لا تُمَد بماء جديد باستمرار؛ ولا تفرغ وتستبدل بمياه جديدة إلا بمرور أسابيع أو أشهر، وهذه حقيقة المياه الراكدة التي تعرفها بلاد العرب حيث تتجمع في مواسم الأمطار وتدوم لأسابيع أو أشهر ثم تجف.
والنهي عن البول في الماء الراكد يتناول القليل والكثير لأن الحديث أطلقه ولم يقيده.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) ...
البول فيه منهي عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا والله أعلم.
وأما الدائم فهو الراكد وقوله صلى الله عليه وسلم: (الَّذِي لاَ يَجْرِي) تفسير للدائم وإيضاح لمعناه ...
وإن كان الماء كثيرا راكدا، فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم. ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدا؛ فإن النهي يقتضي التحريم، على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول.
وفيه من المعنى: أنه يُقَذِّره، وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره، أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه " انتهى من "شرح صحيح مسلم (3 / 188).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالى:
" ويكره البول في الماء الدائم، وإن كثر وبلغ حدا لا يمكن نزحه؛ لعموم النهي عن ذلك.
ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى كثرة البول فيغيره " انتهى من "شرح العمدة" (1 / 145).
ثانيا:
قد ورد النهي عن البول في المغتسل.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ رواه أبو داود (27)، والترمذي (21)، والنسائي (36)، وابن ماجه (304).
وعَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: "لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ " رواه أبو داود (28) والنسائي (238).
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (221750).
والمسبح، وإن لم يكن معدا للغسل المعروف للتطهر، أو التنظف ، فهو مثل المستحم فيما يخشى من مفسدة البول فيه ، أو هو أشد منه في ذلك؛ فيما يظهر .
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
" وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن المكان جددا صلبا، أولم يكن مسلك ينفذ فيه البول ويسيل فيه الماء، فيوهم المغتسل أنه أصابه من قطره ورشاشه فيورثه الوسواس " انتهى. "معالم السنن" (1 / 22).
وينظر للفائدة: تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم : (221750) .
ثالثا:
هذا مكان ملك للغير؛ والعقد الذي بينكم وبين صاحبه مبيح للسباحة في هذا الماء فقط، لا البول فيه، فمن بال فيه فقد اعتدى في التصرف.
والله تعالى يقول: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المائدة/87 .
قال الحطاب الرعيني رحمه الله تعالى:
" وحاصل مسائل التعدي: الانتفاع بمال الغير دون حق فيه، خطؤه كعمده، أو التصرف فيه بغير إذنه ، أو إذن قاض ، أو من يقوم مقامه لفقدهما " انتهى من "مواهب الجليل" (6 / 22).
ومن المعلوم أن ملاك المسابح، لو استؤذنوا في مثل هذا التصرف، لا يأذنون به.
فهذا التصرف محرم لأنه تصرف في ملك الغير بغير رضا منه.
عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَذُودُ عَنْهُ النَّاسَ، فَقَالَ: ... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: اسْمَعُوا مِنِّي تَعِيشُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا تَظْلِمُوا، إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ... رواه أحمد في "المسند" (34 / 299) وقال محققو المسند: صحيح لغيره.
خاصة وأن فتح باب التبول فيه سيؤدي حتما إلى تقليل مدة صلاحية المياه للسباحة، وهذا يلزم صاحب المسبح إفراغه مرات عديدة، أكثر مما لو لم يتبول فيه، وهذا بلا شك إضرار بمال صاحب المسبح، وإهدار عظيم للمياه.
رابعا:
هذا التصرف قد يؤدي للإضرار بالغير، فهذا البول ربما فور خروجه وقبل تحلله : يصيب من هو بقرب منه ، وربما دخل جوف أحدهم؛ والإضرار يجب أن يزال.
عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالَ : لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ رواه الحاكم (2 / 57 - 58).
وقد تحدثت كثير من الدراسات والكتابات حول الأضرار المترتبة على البول في المسابح، وهذا ظاهر، خاصة في الصورة المذكورة: أن يكون بالقرب منه عند تبوله شخص آخر، يصيبه من بوله، بل هو نفسه، سيتضرر بما خرج منه ، ثم ثلوث به ، أو بالماء المختلط به عن قريب.
خامسا:
هذا البول ، إذا قدر أنه لم يتضرر به أحد ؛ فإنه تصرف تعافه النفوس وتستقذره وتتأذى منه؛ وكل سابح يود لو أن غيره لا يبول في ماء المسبح، فالبول فيه مخالف للأمر بالنصح في المعاملة.
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ رواه مسلم (55).
قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى:
" قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له ؛ مَنْ كان...
وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه..." انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2 / 691 - 694).
وقد جاء النهي عن البول في الأماكن التي تجمع الناس؛ كحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ رواه مسلم (269).
والله أعلم.
تعليق