الحمد لله.
أولا:
هذه الهبة إن كانت في مرض الموت، فهي في حكم الوصية.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب: حكم الوصايا، ويكون من الثلث إذا كانت مقبوضة، هذا على مذهب المدني، والشافعي، والكوفي " انتهى من "الإشراف" (7 / 87).
والبنت من الورثة، والوصية لا تجوز للوارث.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ... ).
رواه أبو داود (2870)، والترمذي (2120) واللفظ له وقال: " وَفِي البَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ ، وَأَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" أجمع العلماء على القول بأن لا وصية لوارث، وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث، وتلقيا منهم له بالقبول " انتهى من " الاستذكار " (23 / 14).
وإعانة البنت الوارثة على الزواج في المستقبل: ليس سببا مبيحا للوصية لها.
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" مشكلتي أن لي إخوة أكبر مني، وثلاثة أصغر مني، قام أبي بمساعدة الإخوة الكبار حتى زوجهم، وصرف عليهم مصارف كبيرة حتى استقروا في حياتهم، وأبي ينوي في نفسه أن يكتب في وصيته قطعة أرض لإخوتي الصغار، فهل هذا حلال أم حرام؟...
فأجاب: ... أما وصيته للصغار فلا وجه لها، لأنهم لم يتأهلوا للزواج، والوصية للوارث لا تصح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (19 / 427).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" من الخطأ الفادح والجهل الفاضح: أن بعض الناس إذا زوج أولاده الكبار الذين لا يستطيعون الزواج لأنفسهم وله أولاد صغار أوصى لأولاده الصغار بقدر ما أعطى الكبار للنكاح، وهذا غلط، حتى لو مات فالوصية لا تنفذ، ويعطى ما أوصى به للصغار، يدخل في التركة ويقسم على فرائض الله " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (224 / 34 ترقيم الشاملة).
فإذا خالف المسلم هذا الحكم وأوصى عند وفاته بمال لوارث من ورثته؛ فلا يصح تنفيذ هذه الوصية إلا إن أذن الورثة وأجازوها.
قال ابن المنذر:
" أجمع كل من يحفظ عنه من علماء الأمصار من أهل المدينة ، وأهل مكة ، والكوفة ، والبصرة ، والشام ، ومصر ، وسائر العلماء من أصحاب الحديث ، وأهل الرأي: على أن لا وصية لوارث، إلا أن يجيز ذلك الورثة " انتهى من " الإشراف " (4 / 404 – 405).
ثانيا:
وأما زكاة هذا المال، فينبغي الانتباه إلى أن مال التركة ملك للورثة، من حين وفاة الميت .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (11 / 212):
" ولا خلاف بين الفقهاء في أن التركة تنتقل إلى الوارث، إذا لم يتعلق بها دين من حين وفاة الميت " انتهى.
والوصية الباطلة لا أثر لها؛ فلا ينتقل الملك بسببها.
فإذا لم يأذن الورثة لهذه الوصية؛ فعلى كل وارث زكاة نصيبه بعد حولان الحول ، من يوم وفاة هذه المرأة.
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" متى يزكَّى الوِرثُ؟ هل يكون ذلك حين استلامه أو بعد مرور الحول عليه؟
فأجابت: تجب الزكاة في التركة بعد مضي سنة من وفاة المورث، لأن التركة تنتقل ملكيتها من المتوفى إلى الورثة من تاريخ الوفاة...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9 / 305 - 306).
فإذا أجاز الورثة هذه الوصية؛ فإن امتلاك البنت الصغرى للمال يكون من حين قبولها للوصية ، وليس من حين وفاة والدتها ، فتبدأ حساب الحول من حين قبولها .
ينظر : "المغني" (8/418) .
ثالثا:
وأما إن كانت هذه العطية في حال صحتها؛ ووكلت ابنتها الكبرى في إيصالها ؛ فهذه هبة لم يتم تسلمها من طرف الموهوب له وهي البنت الصغرى، لعدم تحقق شرط الواهب وهو الزواج، والهبة إذا مات الواهب قبل أن يقبضها الموهوب له، ترجع إلى التركة.
روى الإمام مالك في "الموطأ" (2 / 752) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللَّهِ، يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ، كَانَ لَكِ. وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ".
قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى :
" والهبة عند مالك، على ما أصفه لك: تصح بالقول من الواهب ، والقبول من الموهوب له ، تتم بالقبض والحيازة ... وإن لم يقبضها حتى يموت الواهب : بطلت الهبة عنده ...
هذا حكمه عند مالك وأصحابه إذا مات الواهب ...
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: الهبة لا تصح إلا بالقبض من الموهوب له، وتسليم من الواهب، فإن لم يكن ذلك فهي باطل ... " انتهى من "الاستذكار" (22 / 302 – 303).
وقال المرداوي رحمه الله تعالى:
" وإن مات الواهب: قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع.
هذا المذهب...
وقال القاضي في "المجرد": يبطل عقد الهبة. جزم به في "الفصول". وقدمه في "المغني"... " انتهى من"الإنصاف" (17 / 23 - 24).
مع ما في هذه الهبة أيضا من تفضيل بعض الأولاد على بعض وهو محرم .
وينظر جواب السؤال رقم : (22169) ، (72793) .
فإن أذن الورثة؛ فإن تملكها لهذا المال من يوم قبولها الوصية ، ومنه يحسب حول الزكاة.
والخلاصة :
أن الواجب رد هذه المائة في التركة وتقسم على جميع الورثة حسب القسمة الشرعية ، إلا إذا أذن الورثة ورضوا بأن تأخذها البنت الصغرى، فلا بأس بذلك ، بشرط أن يكونوا – أي الورثة- بالغين راشدين .
والله أعلم.
تعليق