الحمد لله.
أولاً:
أخرج أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 274) من طريق هَنَّاد بْن السَّرِيِّ ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا ازْدَادَ رَجُلٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا ، إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا ، وَلَا كَثُرَ أَتْبَاعُهُ ، إِلَّا كَثُرَتْ شَيَاطِينُهُ ، وَلَا كَثُرَ مَالُهُ ، إِلَّا اشْتَدَّ حِسَابُهُ .
وهو حديث ضعيف جدًا ، وفيه ثلاث علل :
1- أنه حديث مرسل ؛ لأن عبيد بن عمير لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- أنه حديث منقطع ؛ لأن الحسن بن مسلم لم يدرك عبيد بن عمير .
وينظر : "تهذيب الكمال" (6 /325).
3- فيه ليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف الحديث ؛ لاختلاطه .
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (8/ 468):
" قال ابن سعد : كان رجلاً صالحا عابدًا ، و كان ضعيفًا في الحديث .
وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره ، فكان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم ، تركه القطان وابن مهدى وابن معين وأحمد .
وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوى عندهم " انتهى.
وقد ضعف الحديث الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة": (9/ 411).
وروي بلفظ مقارب من قول ابن مسعود رضي الله عنه ،
أخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 304) : عَنْ مروان بن معاوية عن مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " مَنْ كَسَبَ مَالًا حَرَامًا لَمْ تُطَيِّبْهُ الزَّكَاةُ ، وَمَنْ كَسَبَ مَالًا مِنْ طَيِّبٍ ، خَبَّثَ مَالَهُ مَنْعُ الزَّكَاةِ ، وَمَنْ كَثُرَ مَالُهُ، كَثُرَ حِسَابُهُ ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا " انتهى.
وهو أثر ضعيف منقطع ؛ لأن مغيرة بن مسلم لم يدرك سويدًا .
ومروان بن معاوية كان يدلس أسماء الشيوخ.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (10/ 98) :
" قال الآجرى ، عن أبى داود : كان يقلب الأسماء .
وقال ابن أبى خيثمة ، عن ابن معين : كان مروان يغير الأسماء ؛ يعمي على الناس ، كان يحدثنا عن الحكم بن أبى خالد ، وإنما هو حكم بن ظهير " انتهى.
وقد روي أيضًا من قول عبيد بن عمير ، فقد أخرجه أبو بكر المروذي في "أخبار الشيوخ وأخلاقهم" (ص: 141) : من طريق جَرِير ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَنَّاقٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : " مَنِ ازْدَادَ مِنْهُمْ قُرْبًا ازْدَادَ اللَّهُ مِنْهُ بُعْدًا ، وَمَنْ كَثُرَ مَالُهُ اشْتَدَّ حِسَابُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ تِبَاعُهُ كَثُرَتْ شَيَاطِينُهُ " انتهى.
وهو خبر منقطع ضعيف ، ففيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف كما تقدم بيانه ، والحسن بن مسلم لم يدرك عبيد بن عمير .
ثانيًا:
على الرغم من ضعف الخبر ؛ إلا أن بعض مضامينه لها شواهد في صحيح السنة النبوية، منها:
ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ ، بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا أخرجه مسلم (37).
وما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ ؛ نِصْفِ يَوْمٍ أخرجه الترمذي (2353)، وابن ماجه (4122) وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ووافقه الألباني.
قال ابن علان في "دليل الفالحين" (4/ 421) : " ( دخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام) ؛ لحبس الأغنياء تلك المدةَ في الموقف حتى يحاسبوا عما خُولوه من الغنى ؛ من أين اكتسبوه، وفيم أذهبوه " انتهى.
وقال ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (3/ 380) : " وذلك لأن الفقراء ليس عندهم ما يطغيهم ، فهم متمسكنون خاضعون " انتهى.
وقال فيصل المبارك في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 326) " فيه : فضل الفقير الصابر على الغني الشاكر ؛ لأن الأغنياء يحبسون للحساب " انتهى.
وما جاء عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ أخرجه الترمذي (2417) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ويدل الحديث على أنه كلما كثر مال العبد : طال حسابه ؛ لأنه سيُسأل عن كل درهم، من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه !
والله أعلم.
تعليق