الحمد لله.
حديث التوسعة على العيال في عاشوراء: مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ.
روي هذا المتن عن عدد من الصحابة:
فروي من حديث عبد الله ابن مسعود.
رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (10 / 94) وغيره، عن الْهَيْصم بْن الشَّدَّاخِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ سَائِرَ سَنَتِهِ.
والهيصم ضعيف، قال عنه ابن حبان رحمه الله تعالى:
” هيصم بن الشداخ: شيخ يروي عن الأعمش الطامات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به ” انتهى. “المجروحين” (3 / 97).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” هذا حديث غريب…
واتفقوا على ضعف الهيصم، وعلى أنه تفرد به ” انتهى. “الأمالي المطلقة” (ص 28 – 29).
وروي من حديث جابر.
رواه البيهقي في “شعب الإيمان” (5 / 331) وغيره، عن مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ابْنُ أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَسَّعَ اللهُ عَلَى أَهْلِهِ طُولَ سَنَتِهِ ) . وقال البيهقي عقبه: ” هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ “.
وهو شديد الضعف لأن في إسناده: محمد بن يونس هو الكديمي ، متهم، قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” محمد بن يونس الكديمي… هالك قال ابن حبان، وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ” انتهى. “المغني في الضعفاء” (2 / 646).
وشيخه في هذا الحديث وهو: عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ، قال عنه الذهبي:
” عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري شيخ ابن عرفة: متهم بالوضع ” انتهى. “المغني” (1 / 330).
وله طريق آخر أخرجه ابن عبد البر في “الاستذكار” (10 / 140) عن الْفَضْل بْن الْحُبَابِ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” وهذه الطريق مع أنها أصح طرق الحديث – كما قال السيوطي في “اللآلئ” (2 / 63) – فقد قال فيها الحافظ ابن حجر:
“هذا حديث منكر جدا”.
كما نقله السيوطي نفسه عنه، ولم يتعقبه بشيء، وقد حمل فيه الحافظ على الفضل بن الحباب وقال: ” لعله حدث به بعد احتراق كتبه”.
قلت: وفيه علة أخرى، وهي عنعنة أبي الزبير، فإنه مدلس، وقد أورده في “المدلسين” الحافظ، وابن العجمي، وقالا:
“إنه مشهور بالتدليس”. ” انتهى. “تمام المنة” (ص 411).
وروي من حديث أبي سعيد الخدري.
روى ابن أبي الدنيا في “العيال” (2 / 566)، وغيره؛ عن عَبْد اللَّه بْن نَافِعٍ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ.
وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل، وجهالة حال أيوب بن سليمان بن ميناء، وعبد الله بن نافع متكلم في حفظه، قال عنه الذهبي:
” عبد الله بن نافع الصائغ المدني…
قال البخاري: في حفظه شيء، وقال ابن معين: ثقة ” انتهى. “الكاشف” (1 / 602).
وروي بإسناد آخر عن أبي سعيد الخدري، رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (9 / 121)؛ عن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْجَعْفَرِيّ، حدّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ الرَّبَعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَنَتَهُ كُلَّهَا.
ثم قال الطبراني عقبه: ” تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجَعْفَرِيُّ ” انتهى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” وقال الطبراني:
” تفرد به محمد بن إسماعيل الجعفري”.
قلت: وهو متروك – كما قال أبو نعيم – وقال أبو حاتم: “منكر الحديث، يتكلمون فيه “.
وبه أعله الهيثمي (3/ 189) بعدما عزاه لـ “الأوسط”. وفاته أن شيخه (عبد الله بن سلمة الربعي) مثله في الضعف، فقال فيه أبو زرعة:
” منكر الحديث” ” انتهى. “السلسلة الضعيفة” (14 / 740 – 741).
وروي من حديث أبي هريرة.
حيث روى البيهقي في “شعب الإيمان” (5 / 333) وغيره، عن حَجَّاج بْن نُصَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ.
وهذا حديث ضعيف الإسناد؛ لأن فيه حجاج بن نصير ومحمد بن ذكوان ضعيفان، وسليمان مجهول الحال.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” وهذا إسناد واه؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: حجاج بن نصير: قال الذهبي في “المغني “:
” ضعيف، وبعضهم تركه”.
الثانية: محمد بن ذكوان – وهو: الجهضمي البصري -: قال البخاري:
“منكر الحديث”…
الثالثة: سليمان بن أبي عبد الله: قال العقيلي عقب الحديث:
“مجهول بالنقل، والحديث غير محفوظ “.
قلت: وهذه فائدة من العقيلي … وهي كقول أبي حاتم فيه:
” ليس بالمشهور، فيعتبر بحديثه “… ” انتهى. “السلسلة الضعيفة” (14 / 739).
وروي من حديث ابن عمر.
قال السيوطي رحمه الله تعالى:
” وقَالَ الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك: -بإسناده- عن خطاب بْن أسلم منْ أَهْل أبيور، حَدثنَا هِلَال بْن خَالِد عَنْ مَالك بْن أنس عَن نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُول الله: مَنْ كَانَ ذَا جِدَةٍ وَمَيْسَرَةٍ فَوَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَى رَأْسِ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ“.
ثم قال السيوطي عقبه:
” قَالَ الْخَطِيب: فِي إِسْنَاده غير وَاحِد مِنَ المجهولين وَلَا يثبت عَنْ مَالك ” انتهى. “اللآلىء المصنوعة” (2 / 96).
وروي عن ابن عمر بإسناد آخر ضعيف أيضا، أخرجه ابن الجوزي في “العلل المتناهية” (909) من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: أخبرنا يَعْقُوبُ بْنُ خُرَّةَ الدَّبَّاغُ، قَالَ: أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَةٍ.
وقال ابن الجوزي عقبه: “قال الدارقطني: حديث ابن عُمَر منكر من حديث الزُّهْرِيّ عن سالم… ويعقوب بْن خرة ضعيف ” انتهى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” وقال الدارقطني:
” حديث منكر، ويعقوب بن خرة ضعيف”. وفي ترجمته قال الذهبي من ” الميزان “:
” قلت: له خبر باطل، لعله وهم “.
يشير إلى هذا؛ فقد ساقه الحافظ عقبه في ” اللسان “.
هذا؛ وإن مما يؤكد قول الذهبي هذا وغيره ممن قال بنكارته ووضعه ، أنه – مع شدة ضعف أسانيده – لم يكن العمل به معروفا عند السلف، ولا تعرض لذكره أحد من الأئمة المجتهدين، أو قال باستحباب التوسعة المذكورة فيه، بل قد جزم بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية في ” فتاويه “، وهو من هو في المعرفة بأقوالهم ومذاهبهم، وأن العمل به بدعة -كاتخاذه يوم حزن عند الرافضة-؛ بل إنه نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن هذا الحديث؟ فلم يره شيئا. فمن شاء الوقوف على كلام الشيخ؛ فليرجع إلى ” مجموع الفتاوى ” (25 / 300 – 314)، فإنه يجد ما يشرح الصدر. ” انتهى. “السلسلة الضعيفة” (14 / 743).
فالحاصل؛ أن هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسانيده شديدة الضعف بعضها فيه من هو متهم بالوضع.
قال العقيلي رحمه الله تعالى:
” ولا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلا به ” انتهى. “الضعفاء الكبير” (3 / 252).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وقد روي في التوسيع على العيال في آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، قال: ( بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ) رواه عنه ابن عيينة.
وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله. والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة، والرافضة؛ فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتما، فوضع أولئك فيه آثارا تقتضي التوسع فيه، واتخاذه عيدا، وكلاهما باطل ” انتهى. “اقتضاء الصراط المستقيم” (2 / 132).
وينظر جواب السؤال (293401)
والله أعلم.
تعليق