الحمد لله.
أولًا:
مرحبا بك في موقعنا، ونحن نرجو أن تجد فيه ما ينفعك، وأن تجد فيه ما يبدد الشبهات التي تسمعها من قومك، حول هذا الدين وحقائقه، وأن تزن ما تسمع من الشبهات حوله بميزان المنطق الصحيح؛ وعسى الله أن يشرح صدرك للهدى ودين الحق.
ومن هذا المنطلق، نتعجب: كيف لقومك أن يقولوا: إن النبي كاذب، بناء على هذا المنطلق الواهي الضعيف.
نعم؛ إنهم يقولون ذلك، لأنهم يريدون أن يقولوه، ولأن عقائدهم التي نشأوا عليها، تأبى عليهم التأمل، والنظر بعين الصدق والإنصاف.
وإلا؛ فبالله عليك أن تخبرنا: سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من تسمى بمحمد، أو لم يكن كذلك؛ ما أهمية ذلك في "إثبات نبوة" النبي صلى الله عليه وسلم، أو عدم إثباتها؟
هل قال الله تعالى في كتابه، أو قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه أول من سمي "محمدا"، وأثبت التاريخ زيف ذلك؟
لا؛ لم يقل ذلك، فلا الله أخبرنا بأنه أول من تسمى محمدا، ولا النبي أخبرنا عن نفسه بذلك!!
وهب أن قائلا من المسلمين، لم يقرأ التاريخ جيدا، ولم يدرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك خطأ منه؛ فما زال في الناس من يخطئون، ولا ينسب خطؤهم إلا لأنفسهم، ولا يكون غلطهم إلا عليهم هم، لا على الدين الذي ينتسبون إليه.
وهل قال أحد: إن دليل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم: أن اسمه محمد، أو أنه – وحده – من سمي بذلك؟
ما علاقة هذه المعلومة التاريخية، بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، أو كذبه ؟
لا شيء، إلا التعلق بأوهى الشبه الواهية، من أجل ما تقرر في نفس القائل: أنه لا يريد أن يسمع داعي الصدق، ولا أن يصغي إلى دليله الحق.
وينظر بعض ما ذكر من أدلة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، في جواب السؤال رقم : (298351)، ورقم: (175339)، ورقم: (182059).
ثانيًا:
قال "القاضي عياض" فيما نقله عنه "الحافظ" في "الفتح" (7/ 246): "وتسميته محمدًا وقعت في القرآن العظيم، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، وكذلك في الآخرة يحمد ربه فيشفعه، فيحمده الناس، وقد خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود، وشرع له الحمد بعد الأكل، وبعد الشرب، وبعد الدعاء، وبعد القدوم من السفر، وسميت أمته الحمادون، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه - صلى الله عليه وسلم -".
وقال الحافظ " ابن كثير" في "البداية والنهاية" (1/ 669): "قال بعض العلماء: ألهمهم الله عز وجل أن سموه محمدا؛ لما فيه من الصفات الحميدة؛ ليلتقي الاسم والفعل، ويتطابق الاسم والمسمى في الصورة والمعنى، كما قال حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد" .
قال "العازمي" في "اللؤلؤ المكنون" (1/ 81 - 83): " ولما كان اليوم السابع من ولادته -صلى الله عليه وسلم- ختنه عبد المطلب على عادة العرب، وعق عنه بكبش، وجعل له مأدبة، وسماه محمدا -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن العرب يألفون هذا الاسم، فاستغربه كل من سمعه من قريش، وسألوا عبد المطلب فقالوا: لم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ فأجابهم: أردت أن يحمده الله تعالى في السماء وخلقه في الأرض .
وقيل سبب تسميته محمدا: أن عبد المطلب كان مسافرا إلى الشام مع ثلاثة من أصحابه للتجارة، فبينما هم في الشام التقوا براهب، فسألهم: من أين أنتم؟ قالوا: نحن من مكة، فقال لهم: إن بلادكم سيخرج منها نبي، فسألوه ما اسم النبي قال: "اسمه محمد"، ولم يكن اسم محمد معروفا عند العرب.
فلما رجع هؤلاء الأربعة عزم كل واحد منهم إن رزق بمولود يسميه محمدا.
عبد المطلب كبر، فلما رزق ابنه عبد الله ولدا سماه محمدا -صلى الله عليه وسلم-.
وأما الثلاثة فهم: سفيان بن مجاشع سمى ابنه محمدا، وأحيحة بن الجلاح سمى ابنه محمدا، وحمران بن ربيعة سمى ابنه محمدا.
هؤلاء أول من سمى محمدا في العرب، كما قال الإمام السهيلي في الروض الأنف .
قال حسان بن ثابت -رضي الله عنه-:
أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة ... من الرسل، والأوثانُ في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا ... يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا نارا وبشر جنة ... وعلمنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي ... بذلك ما عمرت في الناس أشهد
تعاليت رب الناس عن قول من دعا ... سواك إلها أنت أعلى وأمجد
لك الخلق والنعماء والأمر كله ... فإياك نستهدي وإياك نعبد " .
ثالثًا:
إن وجود من تسمى بمحمد من العرب، قبل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه أدنى إشكال، ولا شبهة على نبوته صلى الله عليه وسلم، من قريب ولا من بعيد، كما سبق ذكره.
بل هذا أدل على صدقه صلى الله عليه وسلم في دعوته، ودليل على تفرده بالنبوة، دون من سواه.
فليس من هؤلاء الذين تسموا باسمه قبل البعثة: شخص واحد ادعى أنه نبي.
ولا شخص واحد منهم: ادعى الناس أنه نبي.
ولا قامت له دلائل على نبوة، ولا خصوصية شأن، ولا كبير ذكر في التاريخ، ولا شيء مما يشكل، أو يلتبس على ذي عقل سليم؛ فإي شبهة دخلت على هذا القائل، ومن أين حصل له الإشكال؟!
قال "القاضي عياض" في "الشفا" (1/ 444): " فمن خصائصه تعالى له: أن ضمَّن أسماءه ثناءه ؛ فطوى أثناء ذكره عظيم شكره..
فأما اسمه أحمد: فـ(أفعل) ... مبالغة من صفة الحمد
و محمد: (مُفَعَّل) ... مبالغة من كثرة الحمد
فهو صلى الله عليه وسلم أجل من حَمِد، وأفضل من حُمِد، وأكثر الناس حمدا، فهو أحمد المحمودين، وأحمد الحامدين، ومعه لواء الحمد يوم القيامة، ليتم له كمال الحمد، ويشتهر في تلك العرصات بصفة الحمد. ويبعثه ربه هناك مقاما محمودا كما وعده؛ يحمده فيه الأولون والآخرون بشفاعته لهم، ويفتح عليه فيه من المحامد، كما قال صلى الله عليه وسلم: ما لم يعط غيره .
وسمى الله أمته في كتب أنبيائه بالحمادين، فحقيق أن يسمى محمدا وأحمد.
ثم في هذين الاسمين من عجائب خصائصه، وبدائع آياته فن آخر، هو أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه..
أما أحمد الذي أتى في الكتب، وبشرت به الأنبياء: فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب، أو شك.
وكذلك: محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم، إلى أن شاع قُبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده: أن نبيا يبعث اسمه محمد..
فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك، رجاء أن يكون أحدهم هو، و: ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ..
وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم.
ويقال: أول من سمي محمدا: محمد بن سفيان .
واليمن تقول: بل محمد بن اليحمد من الأزد .
ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعي النبوة، أو يدعيها أحد له، أو يظهر عليه سبب يشكك أحدا في أمره، حتى تحققت السمتان له صلى الله عليه وسلم، ولم ينازع فيهما "، انتهى.
والله أعلم.
تعليق