الحمد لله.
أولا:
الإمام البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، من أئمة الحديث وعلمائهم ، فقيه شافعي المذهب، وقد توفي رحمه الله سنة (458 هـ).
وقد اشتهر بكثرة مروياته، وكثرة مصنفاته.
ومصنفاته مؤسسة على مروياته من الأحاديث والآثار، وقد صنف مصنفات جامعة ككتاب "معرفة السنن"، و"السنن الكبرى"، و"شعب الإيمان" وله مصنفات لمباحث مفردة مثل: "دلائل النبوة"، و"القضاء والقدر" و"البعث والنشور" و"الدعوات الكبير" وغيرها الكثير.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جوَّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء، سيما ( سننه الكبير) " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (18/ 168).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي، أحد الحفاظ الكبار، له التصانيف التي سارت بها الركبان في سائر الأمصار والأقطار، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وكان واحد زمانه في الإتقان والحفظ والفقه والتصنيف، كان فقيها محدثا أصوليا، أخذ العلم عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري، وسمع على غيره شيئا كثيرا، وجمع أشياء كثيرة نافعة جدا لم يسبق إلى مثلها ولا يدرك فيها؛ من ذلك كتاب "السنن الكبير"، و"نصوص الشافعي" كل في عشر مجلدات، و "السنن والآثار"، و "المدخل"، و"الآداب"، و "شعب الإيمان"، و"الخلافيات"، و "دلائل النبوة"، و"البعث والنشور"، وغير ذلك من المصنفات الكبار والصغار المفيدة التي لا تُسامى ولا تُدانى " انتهى من "البداية والنهاية" (16/9).
ثانيا:
مما يدل على سعة علم البيهقي بالحديث وعلومه وفقهه، ما جاء في "سير أعلام النبلاء" للذهبي:
" جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (18/167).
ولكون مقصده من التصنيف التفقه في نصوص هذه الأخبار، فقد سعى أن ينتقي الأخبار في مصنفاته ويبين الضعيف إن وجد، ولا يعتني بمجرد الجمع.
قال رحمه الله تعالى مخبرا عن شرطه في مصنفاته:
" وعادتي- في كتبي المصنفة في الأصول والفروع- : الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار " انتهى. "دلائل النبوة" (1/47).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" لكن البيهقي ينتقي الآثار، ويميز بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/154).
ورغم كثرة الصحيح والحسن في مصنفاته ، إلا أنّ فيها جملة من الضعيف ، وأحيانا الموضوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة، بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم " انتهى من "منهاج السنة" (5/510).
ورغم أنه كثيرا ما ينبّه على الضعيف، إلا أنه قد يرد فيه الضعيف من غير تنبيه، وربّما صححه، فمع سعة علمه وقوة اجتهاده رحمه الله تعالى، إلا أن القيمة العلمية لتصحيحاته عند أهل العلم هي دون تصحيحات الأئمة النقاد، كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وأمثالهم، فربما صحح ما فيه ضعف وعلّة.
قال ابن رجب في معرض كلامه عن علة حديث، مِن رواية أبي إسحاق، عَن الأسود، عَن عائشة، قالت: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم ينام وَهوَ جنب، ولا يمس ماء، فقال رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلم بن حجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدارقطني .. وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروى هذا الحديث. يعني: أنه خطأ مقطوع به، فلا تحل روايته من دون بيان علته.
وأما الفقهاء المتأخرون: فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته.
وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث.
ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين، كالطحاوي والحاكم والبيهقي " انتهى من "فتح الباري" (1/362).
وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:
" وابن حبان والخطيب: أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي " انتهى. "التنكيل - ضمن آثار المعلمي" (10/799).
والله أعلم.
تعليق