الحمد لله.
أولا:
هذا الدعاء رواه الطبراني في "الدعوات الكبير" (528) عن أبي إسحاق الهجري، حَدَّثَنا المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث، حَدَّثَنا الحَسَن بن أبي الحَسَن، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا خشيَ أحدُكم نِسيانَ القرآنِ؛ فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ! ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي بِتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، وأَلْزِمْ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَنَوِّرَ بِهِ بَصَرِي، واشْرَحْ بِهِ صَدْرِي، واجعلني أَتْلُوَهُ عَلَى ما يُرْضِيكَ عَنِّي، وَأَفْرِجْ بِهِ عن قَلْبِي، وَأَطْلِقْ بِهِ لِسَانِي، وَاستَعمِلْ بِهِ بَدَنِي، وَنَوِّرَ بِهِ قَلْبِي، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ .
وهذا إسناد ضعيف جدا، كما بيّن هذا الشيخ الألباني رحمه الله تعالى؛ حيث قال:
" قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ لم أر من تكلم عليه، وفيه:
أولا: الحسن بن أبي الحسن: لم أعرفه...
ثانيا: المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث؛ لم أعرفه أيضا.
ثالثا: إبراهيم بن سليمان الهجيمي: أظنه الذي في "اللسان ":
"إبراهيم بن سليمان أبو إسحاق، ذكره النسائي في "الكنى" وقال: حديث منكر. ولم يذكر المتن؛ فيحتمل أن يكون هو الذي قبله. وفي "الضعفاء" للأزدي:
إبراهيم بن سليمان البصري منكر الحديث. فلعله هذا. وقد ذكر في الذي قبله: أنه كوفي سكن البصرة".
والمشهور في حفظ القرآن حديث ابن عباس عند الترمذي وغيره، ولا يصح أيضا، وقد سبق تخريجه والكلام عليه برقم (3374)، وفيه بعض الجمل التي في هذا؛ مما يلقي في النفس أن أحد رواة هذا سرقه من ذاك. والله أعلم " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (13 / 182).
وحديث ابن عباس هذا الذي أشار إليه الشيخ، هو قصة علي المشهورة في شكواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تفلّت القرآن منه، وهو عند الترمذي في "السنن" (3570)، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، تَفَلَّتَ هَذَا القُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا الحَسَنِ، أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي. قَالَ:
إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ...
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا، فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةِ يس، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَتَبَارَكَ المُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدِ اللَّهَ، وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: ...
أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الحَقِّ غَيْرُكَ وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ...
قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ".
ورواه الحاكم في "المستدرك" (1 / 361)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وتعقّبه الذهبي رحمه الله تعالى بقوله:
" هذا حديث منكر شاذ ، أخاف يكون موضوعا ".
وعلة هذا الحديث، هي: أنه من رواية: سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ففيه الوليد بن مسلم: وهو ممن يدلس تدليس التسوية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية " انتهى من "تقريب التهذيب" (584).
جاء في تعليق الشيخ عبد الرحمن المعلمي على "الفوائد المجموعة" (ص 43):
" وأعله ابن الجوزي: بأن الوليد يدلس التسوية. يعني فلعل ابن جريج إنما رواه عن رجل عن عطاء وعكرمة، فأسقط الوليد الرجل وجعله عن عطاء وعكرمة، فتكون البلية من ذاك الرجل " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" العلة في الحديث؛ لاحتمال أن يكون بين ابن جريج وعطاء وعكرمة أحد الضعفاء؛ فدلّسه الوليد " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (7 / 386).
وراوي هذا الحديث عن الوليد بن مسلم هو سُلَيْمَان بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيّ.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" سليمان بن عبد الرحمن ابن عيسى التميمي الدمشقي، ابن بنت شرحبيل، أبو أيوب، صدوق يخطئ " انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 253).
ومن أوجه خطئه ما ذكره ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سمعت أبي يقول: سليمان بن شرحبيل صدوق مستقيم الحديث، ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وكان عندي في حد: لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم وكان لا يميز " انتهى من"الجرح والتعديل" (4 / 129).
وقال المعلمي رحمه الله تعالى:
" وفي التهذيب: " قال يعقوب بن سفيان: كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحوّل، فإن وقع فيه شيء فمن النقل ".
يعني أن أصول كتبه كانت صحيحة ، ولكنه كان ينتقي منها أحاديث يكتبها في أجزاء، ثم يحدث عن تلك الأجزاء، فقد يقع له خطأ عند التحويل ، فيقع بعض الأحاديث في الجزء خطأ ، فيحدث به.
وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك، كأنه كان في أصل سليمان خبر آخر فيه: " حدثنا الوليد حدثنا ابن جريج "، وعنده هذا الخبر بسند آخر إلى ابن جريج ، فانتقل نظره عند النقل من سند الخبر الأول إلى سند الثاني ، فتركب هذا الخبر على ذاك السند " انتهى من"الفوائد المجموعة" (ص 43).
وورد الحديث بإسناد آخر لكنه أضعف من السابق، قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ... وأما رواية الطبراني فمما لا يفرح به! لأنها من طريق محمد بن إبراهيم القرشي: حدثنا أبو صالح عن عكرمة عن ابن عباس به، نحوه.
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (572)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 144/ 2)، والعقيلي في "الضعفاء" (ص 2/ 369 / 1) في ترجمة القرشي: وعلقه من الطريق الأولى ثم قال:
" ليس يرجع من هذا الحديث إلى صحة، وكلا الحديثين ليس له أصل، ولا يتابع عليه".
وأبو صالح هو إسحاق بن نجيح الملطي، وهو وضاع دجال.
ومن طريقه أخرجه أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق235/ 1-2) وقال:
"وهذا حديث منكر، وأبو صالح هذا رجل مجهول وحديثه هذا يشبه حديث القصاص".
والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من الوجهين...
وجملة القول؛ أن هذا الحديث موضوع كما قال الذهبي في "الميزان"... " انتهى من"السلسلة الضعيفة" (7 / 387).
وقد ورد هذا الدعاء من قول ابن مسعود رضي الله عنه، رواه هشام بن عمار كما في "حديث هشام بن عمار" (18)؛ قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مَلِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " مَنْ خَشِيَ أَنْ يَنْسَى الْقُرْآنَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِالْكِتَابِ بَصَرِي، وَأَطْلِقْ بِهِ لِسَانِي، وَاشْرَحْ بِهِ صَدْرِي، وَاسْتَعْمِلْ بِهِ جَسَدِي، بَحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ ".
وهذا إسناد ضعيف جدا؛ لأن فيه: عبيد الله بن أبي حميد غالب الهذلي، وهو متروك الحديث.
قال البخاري رحمه الله تعالى:
" عبيد الله بن أَبي حميد البصريّ عن أبي المليح، منكر الحديث " انتهى من "التاريخ الكبير" (5 / 377).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" عبيد الله ابن أبي حميد الهذلي ، أبو الخطاب البصري، واسم أبي حميد غالب، متروك الحديث " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 370).
فالحاصل؛ أن هذا الدعاء لم يثبت، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه الكرام.
وينظر جواب السؤال رقم : (139768).
وعلى ذلك، فلا نعلم لذلك الدعاء المذكور مدخلا في التوقي من نسيان القرآن، أو الإعانة على حفظه ، ولا نعلم دعاء خاصا لحفظ القرآن، ولا رقية خاصة تقي من نسيانه!!
ومن شاء أن يحفظ القرآن، ويمسكه عن التفلت: فليتعاهده، وليكن هجيراه، وليكن له ورد دائم ثابت منه .
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا رواه البخاري (5033)، ومسلم (791).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ رواه مسلم (789).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (7966)، ورقم: (3704) .
والله أعلم.
تعليق