الحمد لله.
أولا: من ارتضع خمس رضعات معلومات في الحولين من امرأة صار ولداً لها
من ارتضع من امرأة خمس رضعات معلومات وهو في الحولين، صار ولدا لها، وأخا لجميع أولادها؛ لما روى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ .
والرّضعة: هل هي الوجبة، أو مجرد أن يمسك الثدي بفمه ، ويمتص منه ، ثم يتركه؟ في ذلك خلاف.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فما هي الرضعة المحرِّمة، هل هي المصة، بحيث لو أن الصبي مص خمس مرات، ولو في نَفَس واحد ثبت التحريم؟ أو الرضعة أن يمسك الثدي ثم يطلقه ويتنفس ثم يعود؟ أو أن الرضعة بمنزلة الوجبة، يعني أن كل رضعة منفصلة عن الأخرى، ولا تكون في مكان واحد؟
في هذا أقوال للعلماء ثلاثة، والراجح الأخير، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ؛ ووجه ذلك أننا لا نحكم بتحريم المرأة ـ مثلاً ـ إلا بدليل لا يحتمل التأويل، ولا يحتمل أوجهاً أخرى، وهذا الأخير لا يحتمل سواه؛ لأن هذا أعلى ما قيل، وعلى هذا فلو أنه رضع أربع رضعات، وتنفس في كل واحدة خمس مرات، فلا يثبت التحريم على القول الراجح، حتى تكون كل واحدة منفصلة عن الأخرى.
وقد بحث ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسألة في (زاد المعاد) بحثاً دقيقاً، ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليه" انتهى من الشرح الممتع (12/ 114).
فإذا كنت رضعت خمس رضعات من أم زوجتك، وثبت هذا بشهادة رجل ثقة أو امرأة ثقة، سواء كانت أم زوجتك أو غيرها، فإن زوجتك أخت لك من الرضاعة، فلا تحل لك، فتتفرقان في الحال بلا طلاق؛ لما روى البخاري (5105) عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟ دَعْهَا عَنْك .
قال في شرح منتهى الإرادات (5/ 612): " (وإن شهد به) ، أي الرضاع المحرِّم امرأة (مرضية) ، على فعلها؛ بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين، أو شهدت على فعل غيرها ، بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين، (أو) شهد بذلك (رجل عدل : ثبت) الرضاع بذلك، ولا يمين على المشهود له ، ولا على الشاهد . لما روى عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال: وكيف وقد زعمت؛ فنهاه عنها. وفي رواية: دعها عنك. رواه البخاري.
وقال الزهري: فُرق بين أهل أبيات في زمن عثمان لشهادة امرأة واحدة، لأن هذه شهادة على عورة؛ فتقبل فيها شهادة النساء منفردات، كالولادة، ولأنه معنىً يُقبل فيه قول النساء المنفردات، فيقبل فيه شهادة المرأة، والمتبرعةُ وغيرها سواء، وغيرُ المرضية لا تقبل" انتهى.
ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، لأن النكاح الباطل، المتفق على بطلانه: لا طلاق فيه.
قال الشيخ ابن عثمين رحمه الله : " النكاح ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم متفق على صحته ، وقسم متفق على بطلانه ، وقسم مختلف فيه .
المتفق على صحته : يقع فيه الطلاق ، ولا إشكال فيه ، بإجماع المسلمين .
والمتفق على بطلانه : لا يقع فيه الطلاق ؛ لأنه باطل ، والطلاق فرع عن النكاح ، فإذا بطل النكاح ، فلا طلاق ، مثل ما لو تزوج أخته من الرضاع غير عالم، فهذا النكاح باطل بإجماع المسلمين ، لا يقع الطلاق فيه " انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 24).
وإذا كان بينكما ولد فإنه ينسب لك؛ لعقدكما النكاح مع جهلكما بالرضاع أو بما يترتب عليه.
ثانيا: الحكم إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات أو حصل شك في ذلك
إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات، أو حصل شك هل هو خمس أو أقل، فإن التحريم لا يثبت، وتبقيان على زواجكما.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/138): " وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ هَلْ كَمُل أَوْ لا ؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ ؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ ؛ فَلا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ ، كما لو وشك في وجود الطلاق، أو عدده " انتهى .
والله أعلم.
تعليق