الحمد لله.
أوقات النهي الخمسة – سبق بيانها بإجابة مفصلة في الموقع (48998 )-. جاءت معللة بعلل صريحة في حديث عمرو بن عبسة عند مسلم.
فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله ، أخبرني عن الصلاة؛ قال: (صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ. فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. ثُمَّ صَلِّ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ. فَإِنَّ، حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنَّمُ. فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ. ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ. حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ) رواه مسلم (832)..
وحيث غابت العلامات التي ارتبطت بها العلة: غاب الحكم؛ ففي تلك المناطق ليس ثمة مشابهة للكفار لعدم وجود العلامة.
وأما النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، فذلك سدا لذريعة أن يستمر في صلاته حتى وقت النهي.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة: "ولهذا كان الأصلُ في النهي عند الطلوع والغروب كما في حديث ابن عمر، لكن نهَى عن الصلاة بعد الصلاتين سدًّا للذريعة؛ فإنَّ المتطوِّع قد يُصلِّي بعدهما حتى يُصلِّي وقتَ الطلوع والغروب" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/203).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بالنسبة لأوقات النهي: فإن الحكمة من ذلك بالنسبة لما بعد العصر وما بعد الفجر: هي أن الكفار إذا طلعت الشمس سجدوا لها، وإذا غابت سجدوا لها، فيسجدون لها محيين في أول النهار، ومودعين في آخر النهار؛ فنهي المرء أن يتحرى الصلاة لئلا يتمادى به الأمر حتى يصلى عند الطلوع وعند الغروب» انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (8/ 2بترقيم الشاملة).
وقد تخفف بعض أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر في حال وجود العلامات، لكون النهي عنها تابعاً لأوقات المشابهة، وإذا انتفت الأصل انتفى التبع تبعاً.
قال ابن حجر رحمه الله: "تمسك بهذه الروايات -قول عائشة رضي الله عنها ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط، ورواية ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين- من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا، ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (2/ 64).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "والنهى بعد العصر خفيف؛ لما روى في خلافه من الرخصة، وما وقع من الخلاف فيه، وقول عائشة: إنه كان ينهى عنها، معناه، والله أعلم، أنه نهى عنها لغير هذا السبب، وأنه كان يفعلها على الدوام، وينهى عن ذلك. وهذا مذهب الشافعي" انتهى من "المغني" (2/ 533).
وبناء عليه: فالذي يتخرج على كلام أهل العلم في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها: أنه لا نهي عن الصلاة في المناطق التي لا تظهر فيها العلامات التي ارتبط بها الحكم؛ فإذا لم تكن الشمس تطلع ولا تغرب حقيقة في هذه البلاد وأمثالها، فليس هناك وقت ينهى عن الصلاة فيه، في هذه البلاد؛ بل لهم أن يتنفلوا أية ساعة شاؤوا، من ليلهم، ونهارهم.
ونظير ذلك: ما ذكره العلماء في صلاة الكسوف: أنه حيث حُجب عن الرؤية، انتفت الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك -وقوع الكسوف- فلا يكادون يخطئون.
ومع هذا، فلا يترتب على خبرهم علم شرعي؛ فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك" انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/ 258).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " إذا قال الفلكيون: إنه سيقع كسوف أو خسوف ، فلا نصلي حتى نراه رؤية عادية؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: (إذا رأيتم ذلك فصلوا)، أما إذا منّ الله علينا بأن صار لا يرى في بلدنا إلا بمكبر أو نظارات فلا نصلي" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (5/ 180).
والله أعلم.
تعليق