الحمد لله.
أولا: الكلام على صحة حديث أن الله يجعل أهل الجنة مرداً
جاءت بعض الأحاديث التي تثبت أن الله يجعل أهل الجنة من الرجال جرداً مرداً ، والحديث صحيح .
وقد روي من حديث : أنس ، ومعاذ بن جبل ، وأبي هريرة ، رضي الله عنهم .
أما حديث أنس :
فأخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (1164)، والضياء في "المختارة" (2716) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (226) ، من طريق مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ .
وهارون بن رئاب ثقة ، وقد سمع من أنس كما قال ابن حبان في "الثقات" (5973) ، وبقية رجال إسناد أبي نعيم ثقات ، فالحديث من هذا الطريق صحيح .
وأما حديث معاذ بن جبل :
فقد أخرجه الترمذي في "سننه" (2545)، وأحمد في "مسنده" (22024) ، والشاشي في "مسنده" (1342) ، من طريق قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً .
وهذا الإسناد فيه " شهر بن حوشب " ، فيه ضعف ، وهو حسن الحديث ما لم يخالف ، وهو هنا لم ينفرد ، وقد حسن البخاري حديثه ، ووثقه ابن معين ، وقال أحمد : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي . انظر "تهذيب الكمال" (12/585)
وأما حديث أبي هريرة :
فأخرجه أحمد في "مسنده" (7933) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (34006) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (808) ، والبيهقي في "البعث والحشر" (419) ، من طريق حَمَّاد بْن سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا ، مُرْدًا ، بِيضًا ، جِعَادًا ، مُكَحَّلِينَ ، أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ، عَلَى خَلْقِ آدَمَ ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ .
وإسناده ضعيف ، لأجل علي بن زيد بن جدعان ، مشهور بالضعف ، إلا أنه لا يترك .
والحديث صححه بمجموع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/1224) .
ثانيا: الحكمة من كون الرجال في الجنة مرداً ليس لهم لحى
أما الجواب عن محل السؤال ، وهو الحكمة من كون الرجال في الجنة مردا ، أي ليس لهم لحى ، فقد ذكر بعض أهل العلم في جوابه :
أنَّ الجنة ليست دار تكليف ، وإنما دار ثواب ونعيم ، لذا جعل الله فيها كل ما شأنه أن يتنعم به أهل الجنة ، ومنع عنهم كل ما من شأنه أن يؤذيهم أو يكدر عليهم النعيم .
لذا كان من كمال الحسن ألّا تكون لهم لحى .
قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/3590) :"مرد : جَمْعُ أَمَرَدَ ، وَهُوَ غُلَامٌ لَا شَعَرَ عَلَى ذَقْنِهِ ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْحُسْنُ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ ". انتهى .
وقال ابن القيم في "التبيان في أقسام القرآن" (ص317) :" وأما شعر اللحية ففيه منافع ، منها الزينة والوقار والهيبة ، ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار، ما يرى على ذوي اللحى .
ومنها : التمييز بين الرجال والنساء.
فإن قيل لو كان شعر اللحية زينة ، لكان النساء أولى به من الرجال لحاجتهن إلى الزينة ، وكان التمييز يحصل بخلو الرجال منه ، ولكان أهل الجنة أولى به وقد ثبت أنهم جرد مرد ؟
قيل : الجواب أن النساء لما كُنَّ محل الاستمتاع والتقبيل ، كان الأحسن والأولى خلوهن عن اللحى ، فإن محل الاستمتاع إذا خلا عن الشعر، كان أتم ولهذا المعنى ، والله أعلم ، كان أهل الجنة مرداً ، ليكمل استمتاع نسائهم بهم ، كما يكمل استمتاعهم بهن .
وأيضاً فإنه أكشف لمحاسن الوجوه ، فإن الشعر يستر ما تحته من البشرة ، أن يمس بشرة المرأة.
والله أعلم بحكمته في خلقه ". انتهى .
قال ابن القيم في نونيته الشهيرة "الكافية الشافية
ألوانهم بيض وليس لهم لحى ... جُعد الشعور مكحّلو الأجفان
هذا كمال الحسن في أبشارهم ... وشعورهم وكذلك العينان
ومن لطائف هذه المسألة ، ما ذكره بدر الدين العيني في "البناية شرح الهداية" (13/178) في مسألة من حلق لحية إنسان ، فلم تنبت ، كيف أن الشافعي يرى فيها حكومة ، خلافا لمن أوجب الدية ؟
فذكر أن من العلل عندهم كون اللحية ليست من الجمال الأصلي ، فقال:" وقد يكون عدم اللحية جمالًا في بعض الأحوال ، وأهل الجنة كلهم أمرد ، فلو كان ذلك من جملة الجمال الأصلي ، لكان أهل الجنة أولى به " انتهى .
ومما سبق يتبين أن من الحكم كمال الحسن والجمال ، وكذلك حتى يتم التنعم على أكمل وجه ، فلا يتأذى بالشعر الرجل ولا أهله في الجنة .
على أنه لا قياس لأحكام الجنة وما فيها من النعيم، بأحوال الدنيا وأحكامها ، وقد قدمنا أن الجنة ليست دار تكليف، والله أعلم بحكمته في خلقه في الدارين، وهو سبحانه يحكم ما يشاء ، ويأمر بما يريد .
والله أعلم .
تعليق