الحمد لله.
أولا:
هذه الجملة تروى على أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها لرجل يده خشنة من شدة العمل، يتداولها جمع من الكتاب في بيان قيمة العمل في الإسلام، لكن لم نقف لهذا اللفظ على سند.
وروي الحديث بلفظ آخر، رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (8 / 317 — 318)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعْدُونٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكَرْمِينِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ بُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ أَحْمَدُ بْنُ أُحَيْدِ بْنِ حَمْدَانَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَيْسُ بْنُ أُنَيْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ تَمِيمٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
" أقَبْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، فَصَافَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَكْنَبَتْ يَدَاكَ؟
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَضِرْبُ بِالْمَرِّ وَالْمِسْحَاةِ فَأُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِي.
قَالَ: فَقَبَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، فَقَالَ: هَذِهِ يَدٌ لا تَمَسُّهَا النَّارُ أَبَدًا .
قال الخطيب رحمه الله تعالى: "هذا الحديث باطل؛ لأَنّ سعد بن معاذ لم يكن حيّا في وقت غزوة تبوك، وكان موته بعد غزوة بني قريظة من السّهم الّذي رُمِيَ به، ومحمّد بن تميم الفريابيّ كذّاب يضع الحديث " انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه سعد بن معاذ آخر غير المشهور، لكن على كل حال فأسانيد القصة واهية.
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ضعيف...
جرى الخطيب على أن سعدا هذا هو ابن معاذ سيد الأوس الصحابي المشهور، وخالفه الحافظ ابن حجر فجزم في " الإصابة " بأنه آخر، ثم ذكر أن الحديث رواه الخطيب في " المتفق " بإسناد واه، وأبو موسى في " الذيل " بإسناد مجهول عن الحسن به " انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1 / 568).
وقال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" على أن من تخلف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأنصار، وغيرهم معروفون ليس فيهم سعد، ومن تخلف كان أولى باللوم والتثريب، فكيف يقبل يده أو يصافحه " انتهى من"أسد الغابة" (2 / 420).
ثانيا:
اليد إذا كانت تكدح بنية صالحة؛ وذلك بنية صاحبها القيام بالوجبات المالية التي عليه، ولكي يتصدق على غيره، ويحفظ نفسه من سؤال الناس أموالهم أو التطلع إليها.
فعن الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ رواه البخاري (1471).
وليكن سعي الرجل وكده في عيشه على أن يأكل هو وعياله من كسبه الحلال، وليجعل ذلك قربى، يتقرب بها إلى الله رب العالمين.
فعَنِ المِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ رواه البخاري (2072).
والله أعلم.
تعليق