الحمد لله.
أولا:
ينبغي التنبه إلى أن التربية نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يجب مراعاة نتائج الأساليب المتبعة في هذا الأمر والنهي، فيجب توخي الأصلح منها وهو الذي يؤدي إلى تكثير المصالح وتقليل المفاسد.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبّه اللَّه ورسوله ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى اللَّه ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره ، وإن كان اللَّه يبغضه ويمقت أهله ...
فإنكار المنكر أربع درجات:
الأولى : أن يزول ويخلفه ضده.
الثانية : أن يقل وإن لم يُزل بجملته.
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله.
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه.
فالدرجتان الأُوليان مشروعتان ، والثالثة موضع اجتهاد ، والرابعة محرمة " انتهى من " أعلام الموقعين " (4 / 338 - 339) .
وبناء على ما ذكرت من حال ولدك ، وأنه قد خرج عن حد السيطرة ؛ فيجب أن توازني بين حرمان ولدك من هذه الأجهزة ، فيذهب إلى صحبه ورفاقه، وبين تركها في يده يشاهد مثل هذه البرامج، فتنظري أيها أقل شرا ومفسدة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وتمام "الورع" أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ؛ وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية ، والمفسدة الشرعية : فقد يدع واجبات ، ويفعل محرمات " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 512).
والذي يظهر - والله أعلم - أن ترك هذه الأجهزة في يده ، إن كان يترتب عليه بقاؤه في البيت، مع مداومة النصح باللطف ، وإشعاره بالمراقبة، فلا يترك وحده مع هذه الأجهزة في غرفة مغلقة، والتخفيف من تعلقه وانشغاله بها قدر الطاقة ، ومقايضته بذلك عن أعمال الخيرات التي تطلب منه ، وقيامه بالنافع من أمره : فالظاهر أن تركها معه على هذه الحال، أصلح من نزعها منه فيذهب إلى صحبه الذين هم مدمنون كإدمانه ، ويشعر بحرية مطلقة في اختيار ما يشاهده ، ولا يشعر برقيب يلحظه ، فيزداد الخطر عليه وربما ضيع صلواته، وربما تعلم منهم شيئا من السلوكيات السيئة.
كما عليك أن تزاحميه بأن تشغليه في مجلسه بشيء ، كبرنامج نافع علمي أو وثائقي ونحوه، فلعله بمرور الأيام يألفها ، وينجذب إليها ، فتلهيه عن هذه المسلسلات ، ويتجه إلى الأمور النافعة.
ثانيا :
مما يسهّل علاج المدمن على هذه الأشياء : توفير البديل الآمن، ويكون حسنا لو يراعى فيه ما يهواه، فقد ذكرت أن ولدك يهوى تذوق الأطعمة والتجول؛ فعليك وعلى والده أن تستغلوا هذه الصفة فترتادون به أحيانا حلق الذكر والدعوة ، وتميلوا قلبه إليها بجولة ، أو وجبة يحبها بعد هذه الدروس، فلعل هذا أن يحفزه إلى ارتياد هذه الدروس والمواعظ.
وكذا إشغاله بناد رياضي مأمون يمارس فيه رياضة يهواها، ونحو هذا من الأنشطة الثقافية النافعة.
وللأهمية طالعي جواب السؤال رقم : (210867).
ثالثا :
التربية الصالحة من شروطها وجود المجتمع السليم الذي يحتوى الولد ويحميه ويحفزه نحو الخير.
فيحسن بالوالدين اللذين يعانيان مثل معاناتك أن يوفرا جوا إيمانيا في البيت؛ وذلك بتحييد صغائر الأمور وعدم إكثار النقاش حولها، وإظهار تعظيم أمر الطاعة لله سبحانه وتعالى، ومن ذلك المحافظة على الصلاة النافلة في البيت، والمحافظة على صيام التطوع مع إفطار يجمع الأسرة، وكذا ترتيب لقاء دعوي في البيت – مرة في الشهر مثلا - يجمع الأسرة ويدعى إليه من له علم ومعرفة بخطاب المراهقين ، تثار فيه مواضيع تشعر الولد بدوره في هذه الحياة، وتحذره من العواقب الخمية لتضييع الأوقات فيما لا نفع فيه.
وكذا يحسن أن تصادق عائلتك عائلة صالحة لها أولاد صالحون في عمر ولدك يزورونه ويزورهم، وفي الوقت ذاته عليك بتقييد تواصله بأقربائه غير الملتزمين، فيكتفى بالتواصل معهم بما يحقق صلة الرحم.
عن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً رواه البخاري (5534) ومسلم (2628).
قال النووي رحمه الله تعالى :
" وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (16 / 178).
رابعا:
التربية وجه من أوجه الدعوة إلى الله تعالى، فعلى الوالد والوالدة أن يكتما غيظهما ويكون نصحهما بالحكمة والحسنى.
قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ النحل/125.
ولا يعالجا الأخطاء بالغضب والصراخ ، فهذا كله يزيد من نفور الولد وعدم شعوره بالراحة والمودة في البيت ، فيبحث عنهما خارج البيت وهذا خطر عظيم.
قال الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران/159.
خامسا:
عليك أن لا تغفلي عن أولادك الصغار، فحاولي من الآن أن تقللي من ساعات جلوسهم إلى الشاشة لمشاهدة الرسوم المتحركة حتى ولو كانت خالية من المخالفات الشرعية؛ لأن ضررها يتمثل في أن الإدمان عليها يدفعهم عند كبر سنهم ، إلى البحث عما يناسب سنهم ، فلا يجدوا محتوى نظيفا ، فيخاف عليهم أن يندفعوا إلى ما فيه محرمات.
فإذا كانوا في سن الدراسة فيجب أن يكون لهم برنامج تعليمي يوميًا ، وذلك بأن يقوموا بواجباتهم المنزلية ، ووردهم اليومي ، من حفظ القرآن وكذا المطالعة المفيدة ، ولا يجلسوا إلى الشاشة إلا لأخذ قسط من الراحة ، وكمكافأة لهم خلال ساعات هذا البرنامج أو بعده.
وعوديهم على أن التسلية تكون بالمطالعة أيضا والألعاب الحركية الآمنة.
ومع الاجتهاد في الحيطة ، والعناية بالتربية ، والأخذ بأسباب الصلاح ؛ فعلى المسلم أن يعلم أن الهداية بيد الله تعالى ، فيتضرع إلى الله سبحانه وتعالى خاصة في أوقات الإجابة ؛ بأن يصلح ولده ويهديه وينبته نباتا حسنا.
نسأل الله تعالى أن يزيل همك وأن يصلح أولادنا وأولاد جميع المسلمين.
والله أعلم.
تعليق