الحمد لله.
نعم ؛ ما فهمته هو الصحيح ، فإن المسألة المذكورة على قسمين :
الأول: من دخل عليه وقت الصلاة، وكان فاقدًا لشرط الطهارة بالماء، وإذا سعى في تحصيل الماء أو جلب حطب لتسخينه أو نحو ذلك خرج الوقت ؛ فإنه يصلي بالتيمم، سواء كان في أول الوقت أو في آخره؛ لقوله تعالى : إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ؛ ولأنه عادم للماء أو غير قادر على استعماله؛ ويغلب على ظنه خروج الوقت قبل تحصيله .
والثاني: من استيقظ في آخر الوقت، ولديه ماء قادر على استعماله مع خشية خروج الوقت حال الاستعمال؛ فهذا يجب عليه الطهارة بالماء؛ ولا يضره فوات وقت الصلاة في هذه الحالة ؛ لأنه معذور فيما فاته من أول الوقت؛ لأنه كان نائمًا، وإنما تعلق الخطاب بالصلاة ، بذمته ، من وقت استيقاظه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/ 471):
" أما المسافر إذا وصل إلى ماء وقد ضاق الوقت : فإنه يصلي بالتيمم، على قول جمهور العلماء، وكذلك لو كان هناك بئر لكن لا يمكن أن يصنع له حبلاً حتى يخرج الوقت، أو يمكن حفر الماء ولا يحفر حتى يخرج الوقت؛ فإنه يصلي بالتيمم.
وقد قال بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: إنه يغتسل ويصلي بعد خروج الوقت لاشتغاله بتحصيل الشرط، وهذا ضعيف؛ لأن المسلم أمر أن يصلي في الوقت بحسب الإمكان، فالمسافر إذا علم أنه لا يجد الماء حتى يفوت الوقت كان فرضًا عليه أن يصلي بالتيمم في الوقت باتفاق الأئمة، وليس له أن يؤخر الصلاة حتى يصل إلى الماء وقد ضاق الوقت، بحيث لا يمكنه الاغتسال والصلاة حتى يخرج الوقت، بل إذا فعل ذلك كان عاصيًا بالاتفاق. وحينئذ فإذا وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت: ففرضه إنما هو الصلاة بالتيمم في الوقت، وليس هو مأمورا بهذا الاستعمال الذي يفوته معه الوقت.
بخلاف المستيقظ آخر الوقت والماء حاضر؛ فإن هذا مأمور أن يغتسل ويصلي ، ووقته من حين يستيقظ لا من حين طلوع الفجر؛ بخلاف من كان يقظان عند طلوع الفجر أو عند زوالها، إما مقيمًا وإما مسافرًا ؛ فإن الوقت في حقه من حينئذ " انتهى.
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" (22/ 35):
"ومن كان مستيقظا في الوقت، والماء بعيد منه لا يدركه إلا بعد الوقت؛ فإنه يصلي في الوقت بالتيمم باتفاق العلماء.
وكذلك إذا كان البرد شديدا، ويضره الماء البارد ، ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام، أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت، فإنه يصلي في الوقت بالتيمم.
والمرأة والرجل في ذلك سواء، فإذا كانا جنبين ولم يمكنهما الاغتسال حتى يخرج الوقت، فإنهما يصليان في الوقت بالتيمم.
والمرأة الحائض إذا انقطع دمها في الوقت، ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت تيممت وصلت في الوقت.
ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء، خير من الصلاة في الوقت بالتيمم؛ فهو ضال جاهل .
وإذا استيقظ آخر وقت الفجر، فإذا اغتسل طلعت الشمس، فجمهور العلماء هنا يقولون: يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وأحد القولين في مذهب مالك.
وقال في القول الآخر: بل يتيمم أيضا هنا، ويصلي قبل طلوع الشمس، كما تقدم في تلك المسائل، لأن الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل.
والصحيح قول الجمهور؛ لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها ) .
فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ، وما قبل ذلك لم يكن وقتا في حقه.
وإذا كان كذلك فإذا استيقظ قبل طلوع الشمس، فلم يمكنه الاغتسال والصلاة إلا بعد طلوعها، فقد صلى الصلاة في وقتها، ولم يفوتها ؛ بخلاف من استيقظ في أول الوقت، فإن الوقت في حقه قبل طلوع الشمس ، فليس له أن يفوت الصلاة .
وكذلك من نسي صلاة وذكرها فإنه حينئذ يغتسل ويصلي في أي وقت كان ، وهذا هو الوقت في حقه ، فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس ، كما استيقظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة عام خيبر ، فإنه يصلي بالطهارة الكاملة، وإن أخرها إلى حين الزوال " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز للإنسان تأخير الصلاة لتحصيل شرط من شروطها كما لو اشتغل باستخراج الماء ؟
فأجاب بقوله : الصواب أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها مطلقًا ، وإذا خاف الإنسان خروج الوقت صلى على حسب حاله ، وإن كان يمكن أن يحصل الشرط قريباً ، لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) .
وكذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقت أوقات الصلاة ، وهذا يقتضي وجوبها في وقتها .
ولأنه لو جاز انتظار الشروط ، ما صح أن يشرع التيمم ؛ لأن بإمكانه أن يحصل الماء بعد الوقت ، ولا فرق بين أن يؤخرها إلى وقت طويل أو إلى وقت قصير ؛ لأن كليهما إخراج للصلاة عن وقتها . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (12/ 20).
والله أعلم.
تعليق